هل إذا تعاهدت مع شخص على أني سأحفظ جزءاً من القرآن، وإن لم أحفظه فله مبلغ معين من المال؛ حتى ألزم نفسي بحفظ هذا الجزء، ولا أتكاسل، فهل يكون هذا شركاً إذا كان المحرك لي على حفظ هذا الجزء هو عدم دفع المال؛ لأني عملت هذا العمل ـ أي الحفظ ـ ليس لأجل الله، إنما لأجل عدم دفع المال؟
ما حكم إلزام المرء نفسة بالصدقة إذا ترك طاعة واجبة أو مستحبة؟
السؤال: 472185
ملخص الجواب
إلزام الإنسان نفسه بالتصدق بمال إذا ترك طاعة أو فعل معصية لا يدخل في باب الشرك ، وهو مخير بين الوفاء والكفارة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
الأصل أنك لم تحفظ لأجل عدم دفع المال، وإنما أردت إلزام نفسك بالحفظ بدفع المال، وفرق بين الصورتين، وقد ثبت عن بعض السلف إلزام أنفسهم ببعض الطاعات وترك بعض المخالفات بتغريم أنفسهم وإلزامها بمال أو عمل. حثاً لها على الاستمرار بالطاعة، إذ هي المقصد من هذا الإلزام.
ونظير ذلك من نذر إن فاتته صلاة الجماعة تصدق بكذا، أو إن فعل المعصية الفلانية تصدق بكذا أو قام من الليل كذا. وهذا مشروع وقد نص عليه الفقهاء.
قال الذهبي رحمه الله: “قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حرملة، سمعت ابن وهب يقول: “نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا، أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (9/ 228).
ثانياً:
العهد الذي تعاهدت به مع صاحبك إن كان مجرد مواعدة معه، مثل إذا لم احفظ سأعطيك كذا، فهذا لا يعتبر نذرا ولا يمينا، وإنما هو مجرد مواعدة لإلزام نفسك، وليس عليك فيها شيء.
وإن كان نويت به النذر، فهو نذر، أو أطلقته بلفظ العهد مثل: عليَّ عهد الله إذا لم أحفظ أعطيك كذا، ففي هاتين الحالتين يكون له حكم نذر ويمين اللجاج.
وهو النذر أو اليمين الذي يريد صاحبه به إلزام نفسه بشيء أو منعها عن شيء، وأنت مخير فيه بين الوفاء او كفارة يمين.
قال زكريا الأنصاري رحمه الله:” وأما نذر اللجاج والغضب، ويقال له: يمين اللجاج والغضب ويمين الغَلق ونذر الغلق، فهو أن يمنع نفسه من شيء، أو يحثها عليه، بتعليق التزام قربة، بفعل أو ترك، كقوله إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا فلله عليّ كذا.
فإن التزم فيه قربة، كصوم، أو قربا كصوم وصلاة وصدقة: تخير بين الوفاء بما نذر، وبين كفارة يمين، لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزام قربة، واليمينَ من حيث المنع” انتهى من “أسنى المطالب في شرح روض الطالب” (1/575).
وقال ابن قدامة رحمه الله: “وجملته أنه إذا أخرج النذر مخرج اليمين، بأن يمنع نفسه أو غيره به شيئا، أو يحث به على شيء، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا، فلله على الحج، أو صدقة مال، أو صوم سنة؛ فهذا يمين، حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه، فلا يلزمه شيء، وبين أن يحنث، فيتخير بين فعل المنذور، وبين كفارة يمين، ويسمى نذر اللجاج والغضب، ولا يتعين عليه الوفاء به” انتهى من “المغني” (13/461).
وعليه؛ فظاهر حالك أنك ألزمت نفسك بهذا العهد لتلتزم بحفظ القرآن، فحكمه حكم نذر ويمين اللجاج، وأنت مخير بين الوفاء به، وأو كفارة يمين.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه:” رجل قال: لله عليّ نذر إن فعلت كذا أن أصوم ثلاثة أيام، ففعل، فهل يلزمه صيام ثلاثة أيام أو كفارة يمين؟
الجواب: يخير، إن شاء صام ثلاثة أيام، وإن شاء كفر كفارة يمين، لأن هذا النذر حكمه حكم اليمين.
وإذا قلنا: إن حكمه حكم اليمين، فهل الأولى أن يفعل أو الأولى أن يكفر؟
نقول: سبق أن المسألة بحسب المحلوف عليه، إن كان خيرا فالأفضل أن يفعل، وهنا في الغالب أنه خير، لأنه نذر، لكن مع ذلك لئلا نلزمه نقول: أنت مخير بين فعلك، وكفارة اليمين”. انتهى من “الشرح الممتع على زاد المستقنع” (15/212).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب