0 / 0
57703/03/2024

هل المعذور بعدم بلوغ الحجة سيدخل الجنة؟

السؤال: 472518

لدي إستفسار لضعف عقلي وفهمي لبعض الأمور الدينية، قرأت تفسيرا لشيخنا السعدي رحمه الله: أن الله أنزل القرآن والبينات ليهدي به الناس إلى الصراط المستقيم، ويُدخلهم في جنات النعيم، ولكن أشكل علي الأمر أنه حتى وإن لم ينزل الله القرآن والبينات كنا سندخل الجنة؛ لأن الله لن يقيم علينا الحجة، ونكون معذورين بجهلنا، فما هو الفرق إذا بين الأمرين؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

ليس صوابًا – هكذا بإطلاق – : أننا إذا كنا معذورين لعدم بلوغ الحجة والهدى لنا، أننا سندخل الجنة؛ بل الصواب في هذه المسألة : أن من لم تبلغه الحجة سيمتحن يوم القيامة.

فعن الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

( ‌أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ‌رَجُلٌ ‌أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ. فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا، لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا ).

رواه الإمام أحمد (16301)، وابن حبان (7357)، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (881).

وفي رواية (16302): ( فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا).

ثانيًا:

الهداية إلى الصراط المستقيم نعمة عُظمى وبالغة، يتنعم بها العبد في الدنيا، ويستقيم بها على عبادة ربه، وفي هذا من اللذائذ ما لا تحيط به العبارة، ولا شك أن العبد يهنأ بهذا هناءةً لا يجدها من لم يبلغه وحي، وعاش في الدنيا يتخبط في الظلمات.

ولأجل ذلك وصف الله حياة الذين لم يهتدوا بالإيمان بأنها: لعب ولهو، وزينة وتفاخر بينكم، وتكاثر في الاموال والأولاد.

وفي المقابل تأمل حياة المؤمنين الذين اهتدوا بالرسالة: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرعد/28.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا) أخرجه مسلم(34).

وقال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ النحل/ 97، وقال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا طه/123-124.

قال ابن القيم رحمه الله في “الفوائد” (1/157):

“الأصول التي انبنى عليها سعادة العبد ثلاثة، ولكل واحد منها ضد، فمن فقد ذلك الأصل حصل على ضده: التوحيد وضده الشرك، والسنة وضدها البدعة، والطاعة وضدها المعصية..

ولهذه الثلاثة ضد واحد، وهو خلو القلب من الرغبة في الله وفيما عنده، ومن الرهبة منه ومما عنده”.

بل إن البلاء إذا وقع بالعبد المؤمن؛ فإن ما معه من النور والهداية يجعله قويًا صلبًا مدركًا لأن هذا الألم عارض لا يضر ما في قلبه من الطمأنينة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية لما عذبوه وسجنوه:

“ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة” انظر: “الذيل على طبقات الحنابلة” (2/402).

ويقول ابن القيم في “مفتاح دار السعادة” (1/36):

” والمقصود أن الهدى مستلزم لسعادة الدنيا وطيب الحياة والنعيم العاجل وهو أمر يشهد به الحس والوجد”.

والحاصل:

أن الواجب عليك يا عبد الله: أن تستشعر عظم نعمة الله عليك، ومنته عليك وعلى العالمين، بما هداهم، للإيمان. قال الله تعالى: ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحجرات/17-18.

ومن نعمته الله العظمى على خلقه، أن أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور. قال الله تعالى: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) المائدة/15-16، وقال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) المائدة/20.

ومن حق نعمة الله على عبده: أن يعرفها، ويذكرها، ويشكرها ولا يكفرها. وأن يدع عنه خواطر الشيطان، ووساوس النفس، والقول على الله بغير علم، والحكم عليه بمحض الخيال؛ فمن أعطاك هذا العهد على الرحمن أن تدخله جنته، ولو لم ينزل عليك كتابه، ويرسل إليك رسوله؟

قال الله تعالى عن أعدائه اليهود: ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/80-82

وعَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: لَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِي.

قَالَ: ( لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ ‌وَهُوَ ‌غَيْرُ ‌ظَالِمٍ ‌لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ، كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ جَبَلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لَدَخَلْتَ النَّارَ.

قَالَ: فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ !! ).

رواه أحمد (21589)، وأبو داود (4699)، وغيرهما، وصححه الألباني.

فاذكر نعمة ربك عليك يا عبد الله، واشكره، وقم بحقها من طاعته، وعبادته؛ وتعوذ بالله من عدوك، وتلبيسه عليك، ودع تلك الوساوس والخطرات، بعيدا هناك؛ عند الكوكب!!

والله أعلم

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android