تنزيل
0 / 0
99916/12/2023

هل صحت الرواية التي فيها أن الله يقول لداود عليه السلام (مر بَين يَدي … )؟

السؤال: 472900

أولا: أود أن أشكركم على موقعكم المتميز، والذي أنا من رواده، وتعلمت منه الشيء الكثير.
سؤالي يتعلق بحديث اعترضني، فوقع لي لبس واشتباه، مع العلم أني أتبع منهج أهل السنة في إثبات الصفات كما جاءت في القرآن والسنة بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل.
لكن هذا الحديث لم أعرف مدى صحته، وهل هو من أحاديث الصفات؟ وما هي الصفات التي نثبتها من هذا الحديث، خاصة لم أفهم كلمة خلفي، بما أننا متفقون على أن الله أحاط بمخلوقاته علوا وعلما، ولا تحيط به مخلوقاته؟
الحديث حول مقام داوود عليه السلام عند الله سبحانه وتعالى، أخرج ابن مردويه عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنه ذكر يوم القيامة فعظم شأنه وشدته، قال: (ويقول الرحمن عز وجل لداود عليه السلام: مر بين يدي . فيقول داود : يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول: من خلفي، فيقول: يا رب، أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول : خذ بقدمي، فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر، قال : فتلك الزلفى التي قال الله : (وإن له عندنا لزلفى و حسن مآب).

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذا الخبر عن عمر رضي الله عنه، قد أورده السيوطي في “الدر المنثور”، ونسبه إلى ابن مردويه، حيث قال رحمه الله تعالى:

” وأخرج ابن مرْدَوَيْه عن عمر بن الخطاب عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر يوم القيامة فعظم شأْنه وشدته، قال: وَيَقُول الرَّحْمَن لداود عليه السلام: مر بَين يَدي، فَيَقُول دَاوُد: يَا رب أَخَاف أَن ‌تدحضني ‌خطيئي. فَيَقُول: خُذ بقدمي، فَيَأْخُذ بقدمه عز وجل، فيمر، قَالَ فَتلك ( الَزُلْفَى )، الَّتِي قَالَ الله: ( وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ). ” انتهى من “الدر المنثور” (7 / 168).

والاحتجاج بالحديث يحتاج إلى صحة إسناده، وهذا الخبر لا يعرف إسناده، والسيوطي نقل المتن بدون إسناد.

وقد روى ابن أبي شيبة في “المصنف” نحوه، لكن من كلام مجاهد.

ففي “مصنف ابن أبي شيبة” (17 / 524 — 525)، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، قال: ” لما أصاب داود الخطيئة، وإنما كانت خطيئته أنه لما أبصرها أمر بها فعزلها فلم يقربها، فأتاه الخصمان فتسورا في المحراب، فلما أبصرهما قام إليهما فقال: اخرجا عني، ما جاء بكما إليّ؟ فقالا: إنما نكلمك بكلام يسير، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة وهو يريد أن يأخذها مني، قال: فقال داود عليه السلام: واللَّه إنه أحق أن يكسر منه من لدن هذه إلى هذه – يعنى من أنفه إلى صدره -، فقال الرجل: هذا داود قد فعله، فعرف داود عليه السلام إنما يعنى بذلك، وعرف ذنبه فخر ساجدا أربعين يومًا وأربعين ليلة، وكانت خطيئته مكتوبة في يده، ينظر إليها لكيلا يغفل، حتى نبت البقل حوله من دموعه ما غطى رأسه، فنادى بعد أربعين يوما: قرح الجبين وجمدت العين، وداود عليه السلام لم يرجع إليه في خطيئته شيء فنودي: أجائع فتطعم، أم عريان فتكسى، أم مظلوم فتنصر، قال: فنحب نحبة هاج ما يليه من البقل حين لم يذكر ذنبه فعند ذلك غفر له، فإذا كان يوم القيامة قال له ربه: كن أمامي فيقول: أي رب ذنبي ذنبي، فيقول: كن من خلفي، فيقول: أي رب ذنبي ذنبي، فيقول له: ‌خذ ‌بقدمي فيأخذ بقدمه ” انتهى.

وفي إسناده ليث وهو ابن أبي سليم، وقد ضعّف.

ثم هو من كلام مجاهد، ومجاهد ربما روى في التفسير بعض أخبار بني إسرائيل.

ففي “الطبقات الكبرى” لابن سعد (5/467):

” قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش، قال: قلت للأعمش ما لهم يتقون تفسير مجاهد؟

قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب ” انتهى.

وقد ورد هذا الخبر من طريق ظاهره الصحة عن مجاهد عن عبيد بن عمير التابعي المشهور، لكن ليس فيه التفاصيل الواردة في خبر مجاهد السابق وخبر عمر.

فقد روى عبد الله ابن الإمام أحمد في “السنة” (1063) قال: حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ يَعْنِي الْأَعْرَجَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) ص/25. قَالَ: (يَقُولُ: ادْنُهْ، ادْنُهْ؛ إِلَى مَوْضِعٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ).

وقال أيضا في “السنة” (1139): حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ يَعْنِي الْأَعْرَجَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ عُمَيْرٍ، قَالَ: (مَا يَأْمَنُ دَاوُدُ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: ادْنُهْ، فَيَقُولُ: ذَنْبِي، ذَنْبِي! حَتَّى بَلَغَ، فَيُقَالُ: ادْنُهْ، فَيَقُولُ: ذَنْبِي ذَنْبِي، فَيُقَالُ لَهُ: ادْنُهْ، فَيَقُولُ: ذَنْبِي ذَنْبِي، حَتَّى بَلَغَ مَكَانًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ) قَالَ سُفْيَانُ: (كَأَنَّهُ يُمْسِكُ شَيْئًا ).

فالخلاصة:

أن هذا الخبر عن عمر ومجاهد، لم يثبت بإسناد صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن عمر رضي الله عنه.

وإن صح عن مجاهد، فالظاهر أنه مما تلقاه من الإسرائيليات، وهو يشبه ما ورد في كتبهم؛ فلا يحتج به في مسائل صفات الله تعالى.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android