ما الحكمة من كون الجنة والنار من أمور الغيب، ولا يمكن تخيلها حتى؟
ما الحكمة من كون الجنة والنار من أمور الغيب؟
السؤال: 475683
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
جعل الله الدنيا داراً للاختبار والابتلاء، ومجازاة من امتثل أوامره ومعاقبة من كفر به.
وإذا كانت الجنة والنار من عالم الشهادة فلن يكون ابتلاء للعباد بالإيمان والكفر، فإن رؤية النار حقيقة كفيلة بإيمان كل شخص، وكذا رؤية الجنة، ولذا إذا رأى الناس بعض الآيات من علامات الساعة على خلاف السنن الكونية المطردة عادوا إلى الإيمان، وكذا الحال في الميت عند الغرغرة؛ لأنه انتقل إلى عالم الشهادة. حيث يرى الملائكة ويرى من بدايات أحوال البرزخ ما يجعله يؤمن ويتوب.
قال الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا …. الأنعام/158.
قال القرطبي رحمه الله: "قال العلماء: وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها، لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة، في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته، كما لا تقبل توبة من حضره الموت" انتهى من "تفسير القرطبي" (7/146).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَال: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ ، آمَنُوا أَجْمَعُونَ ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسَا إِيمَانِهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا البخاري (6141)
وعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ مسلم (2703).
فإذا كان هذا الحال في رؤية علامات الساعة، فرؤية الجنة والنار أبلغ، فإذا كانتا من عالم الشهادة لم يتمايز الناس في الإيمان والتصديق بما أخبر الله به.
ولذا جعل الله الإيمان بالغيب هو أصل التمايز بين الإيمان والكفر، وأركان الإيمان أساسها الإيمان بالغيب.
قال الله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ البقرة/3.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الإيمان بالمُشاهَد المحسوس ليس بإيمان؛ لأن المحسوس لا يمكن إنكاره" انتهى من "تفسير العثيمين" (1/32).
ثانياً:
ما ذكرت من عدم إمكانية تخيلها، فليس الأمر كذلك بل للإنسان أن يتخيلها، وقد جاء في الكتاب والسنة من تقريب وصفها حتى كأنّ الإنسان يراها، جاء وصف ما فيها من النعيم والأنهار والقصور والمطاعم والمشارب، وحال أهلها، ومع هذا التخيل فهي أجمل مما تخيله ورآه في حياته الدنيا، وفيها أكثر وأجمل مما وُصف لنا، وهذا معنى الحديث القدسي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر . فاقرؤوا إن شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) البخاري (3072)
قال ابن الجوزي رحمه الله:"
«اعْلَم أَن نعيم الْجنَّة لما كَانَ غَائِبا نَاب الْوَصْف عَن الْمُشَاهدَة. وَإِنَّمَا يُوصف مَا قد رئي جنسه وَمَا يعرف شبهه، فوصف الله عز وَجل للْمُؤْمِنين مَا يعْرفُونَ من المطاعم والأزواج والفرش والقصور وَالْأَشْجَار والأنهار، ثمَّ درج الْأَغْرَاض فِي قَوْله: وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين ، ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فِيهَا مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشر) وَهَذَا لِأَن النُّفُوس تحب الْأَشْيَاء المتجددة والغربية. فَلَمَّا كَانَ مَا قد رَأَتْهُ وَسمعت بِهِ وَمَا يخْطر بالقلوب عِنْدهَا مَعْرُوفا، أخْبرهَا بِوُجُود مَا يزِيد على ذَلِك مِمَّا لم يبلغ إِلَى مَعْرفَته، إِذْ لم تَرَ جنسه، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين" انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (2/ 284).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب