الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
السنة أنه إذا ناب المصلي شيء في صلاته، كخطأ الإمام، واستئذان الداخل، وإنذار الأعمى، وتنبيه الساهي: أن يسبح الرجل وتصفق الأنثى.
والأصل في ذلك:
ما روى البخاري (1218) ومسلم (421) عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ.
وللبخاري (7190) بصيغة الأمر: إِذَا رَابَكُمْ أَمْرٌ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ.
والتصفيح والتصفيق بمعنى.
وروى البخاري (1203) ومسلم (422) عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ.
قال ابن رجب: "تصفيق المرأة، هو: أن تضرب بظهر كفها على بطن الأخرى، هكذا فسره أصحابنا والشافعية وغيرهم.
قالوا: ولا تضرب بطن الكف على بطن الكف؛ فإن فعلت ذَلِكَ كره" انتهى من فتح الباري (9/ 311).
ثانيا:
إذا كانت المرأة في بيتها أو مع نساء، فلها أن تسبح ولا تصفق؛ لأنها إنما منعت من التسبيح لأجل الرجال، وقد سبحت عائشة رضي الله عنها لأختها أسماء في صلاة الكسوف، كما روى البخاري (86) عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ الحديث.
قال ابن رجب رحمه الله: "وإنما تصفق المرأة إذا كان هناك رجال، فأما إن لم يكن معها غير النساء، فقد سبق أن عائشة سبحت لأختها أسماء في صلاة الكسوف؛ فإن المحذور سماع الرجال صوت المرأة، وهو مأمون هاهنا؛ فلا يكره للمرأة أن تسبح للمرأة في صلاتها، ويكره أن تسبح مع الرجال" انتهى من فتح الباري (9/ 310).
وصلاة أسماء مع عائشة رضي الله عنهما، كانت في حجرة عائشة، كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 543).
وقال في (1/ 183): " قوله: "فإذا الناس قيام" كأنها التفتت من حجرة عائشة إلى من في المسجد، فوجدتهم قياما في صلاة الكسوف" انتهى.
ومن أهل العلم من تمسك بالإطلاق، وقال: تصفق حتى لو كانت مع النساء، وهو معتمد مذهب الشافعية، وظاهر مذهب الحنابلة.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: " قال الزركشي: وقد أطلقوا التصفيق للمرأة، ولا شك أن موضعه إذا كانت بحضرة رجال أجانب، فلو كانت بحضرة النساء أو الرجال المحارم فإنها تسبح كالجهر بالقراءة بحضرتهم.
والمعتمد: إطلاق كلام الأصحاب، وإن وافقه شيخنا على هذا البحث في شرح الروض، ولم يعزه له" انتهى من مغني المحتاج (1/ 417).
وينظر: المغني (3/ 305)، كشاف القناع (1/ 380).
والقول الأول أظهر؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها.
والله أعلم.