أرغب في معرفة الحكم الشرعي في الموقف الآتي: لدي مجموعة لتسويق منتجات التجار، مع العلم أنا لا أخذ مال من التاجر، ولا على المنتج، ولا أي عمولة بأي شكل أو منفعة من المنتج، أنا فقط أخذ مال من الزبائن مقابل دخولهم للمجموعة لتصفح المنتجات، ثم يختارو ما يشاءون، ويتواصلون مع التاجر للشراء، سؤالي هو: هل كسبي حرام إذا كانت هناك منتجات لا أعلم محتواها بالتفصيل، فأنا أمتنع عن عرض أي منتج فيه شبهة، وأختار بعناية ما هو حلال، لكني مثلا قمت بعرض عدة أنواع كتب شعر غيرها، لكن اتضح أن هناك كتابا واحدا منهم يحتوي على نصوص محرمة، وبعض محتواه محرم فلا يمكنك معرفته إلا إذا تعمقت في قراءته؟ فأنا لا أقرأ الكتب التي أعرضها، ألا يقع على عاتق المشتري التحقق قبل الشراء من التاجر؟
ما حكم التسويق لمنتجات قد يكون في داخلها محرم؟
السؤال: 479020
ملخص الجواب
لا حرج عليك لو جهلت مفردات المنتج، ما دام أصله مباحا، وغلب على ظنك سلامته من الحرام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يجوز التسويق للمنتجات بعرضها على وسائل التواصل، وأخذ عمولة معلومة من الزبائن مقابل الاطلاع عليها، ويشترط لذلك شرطان:
1-أن تكون المنتجات مباحة؛ لأنه لا يجوز بيع المحرمات ولا الدعاية لها؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
2-أن تكون العمولة معلومة، كأن تكون مبلغا شهريا، أو على كل تصفح؛ لأن شرط الوساطة والسمسرة: العلم بالجُعل أو الأجرة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (15/216): "قال المالكية والشافعية والحنابلة: يشترط لصحة عقد الجعالة أن يكون الجُعل مالا معلوما، جنسا وقدرا؛ لأن جهالة العِوض تُفوت المقصود من عقد الجعالة، إذ لا يكاد أحد يرغب في العمل مع جهله بالجُعل، هذا فضلا عن أنه لا حاجة لجهالته في العقد، بخلاف العمل، والعامل؛ حيث تُغتفر جهالتهما للحاجة إلى ذلك.
ومعلومية الجعل: تحصل بمشاهدته، أو وصفه" انتهى.
ثانيا:
إذا كان المنتج يشتمل على مفردات، فتكفي غلبة الظن في كونه مباحا، لتعذر اليقين، وذلك كالكتاب، إذا كان أصل موضوعه مباحا، فلا يشترط العلم بتفاصيل ما فيه، بل تكفي غلبة الظن في كونه لا يدعو إلى رذيلة، ولا يروج لباطل.
والعمل بغلبة الظن ورد به الشرع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) رواه البخاري (401)، ومسلم (572).
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله: " مَا لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ: يُبْنَى الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى أَكْثَرِ الرَّأْيِ" انتهى من "السير الكبير وشرحه" للسرخسي، ص193.
وقال ابن اللحام رحمه الله في "القواعد والفوائد الأصولية"، ص 18: " غالب الفقه مظنون، لكونه مبنيا على العمومات، وأخبار الآحاد، والأقيسة، وغيرها من المظنونات، فكيف يعبرون عنه بالعلم؟
وأجيب عنه بأنه لما كان المظنون يجب العمل به كما في المقطوع، رجع إلى العلم؛ بجامع وجوب العمل.
إذا تقرر هذا؛ فيتفرع على العمل بالظن فروع كثيرة، ولم يطَّرد أصلُ أصحابنا في ذلك، ففي بعض الأماكن قالوا: يُعمل بالظن، وفي بعضها قالوا: لابد من اليقين، وطرد أبو العباس [ابن تيمية] أصلَه، وقال: يُعمل بالظن في عامة أمور الشرع، والله أعلم" انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في منظومته في قواعد الفقه وأصوله:
"وإن تعذر اليقين فارجعا … لغالب الظن تكن متبعاً" انتهى .
وقال الدكتور محمد صدقي البورنو في "موسوعة القواعد الفقهية" (1/ 252):
" أكبر الرأي فيما لا تُعلم حقيقته: كاليقين.
وفي لفظ: "أكبر الرأي بمنزلة اليقين فيما يبنى أمره على الاحتياط".
وفي لفظ: "أكبر الرأي فيما لا يمكن الوقوف عليه بمنزلة الحقيقة".
معنى هذه القواعد ومدلولها:
أكبر الرأي: المراد به غلبة الظن، وهو الإدراك للجانب الراجح.
واليقين: هو الإدراك الجازم المستند إلى الدليل القطعي.
وتدل هذه القواعد على أن الأمور التي لا تعلم حقيقتها، أو لا يمكن الوقوف عليها بدليل قطعي، – وقد غلب على ظن المجتهد فيها حكم مبني على الاحتياط – فيجب عليه أن يعمل بموجب هذا الظن والرأي الغالب؛ لأن الوقوف على اليقين والحقائق في أكثر الأحكام متعذر" انتهى.
والحاصل:
أنه لا حرج عليك لو جهلت مفردات المنتج، ما دام أصله مباحا، وغلب على ظنك سلامته من الحرام.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب