في درس العقيدة ورد: أن كلام الله إنه صفة ذاتية من حيث النوع، وفعلية من حيث الأفراد، فهل يمكن قول هذا على الصفات الفعلية الأخرى؛ كالرحمة، والغضب، والنزول؟
ما ضابط الصفة الذاتية الفعلية؟
السؤال: 482155
ملخص الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الصفة الذاتية الفعلية: هي التي لم يزل رب العزة، سبحانه، متصفا بها، وتتجدد آحادها، كالكلام، والخلق والرزق والرحمة.
فلم يزل رب العزة سبحانه متكلما، ويتكلم متى شاء، وكذلك لم يزل خالقا ويخلق متي شاء، فهي ذاتية باعتبار قدم نوعها، وفعليه باعتبار تعلقها بالمشيئة وتجدد آحادها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” ولهذا كان مذهب جماهير ” أهل السنة والمعرفة ” – وهو المشهور عند أصحاب الإمام أحمد وأبي حنيفة، وغيرهم من المالكية والشافعية والصوفية، وأهل الحديث وطوائف من أهل الكلام، من الكرامية وغيرهم: أن كون الله سبحانه وتعالى خالقا ورازقا ومحييا ومميتا وباعثا ووارثا، وغير ذلك : من صفات فعله.
وهو من صفات ذاته؛ ليس من يخلق كمن لا يخلق” انتهى من “مجموع الفتاوى” (12/ 435).
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله في “التعليق على القواعد المثلى”، ص78:
” ومن الصفات ما يصدق عليها أنها ذاتية فعلية باعتبارين، مثل: الكلام، والخلق، والرَّزق؛ فهذه باعتبار أن الله لم يزل موصوفًا بها، فتقول: الله لم يزل فعالًا لما يريد، ولم يزل خالقًا، ولم يزل غفورًا، ولم يزل رحيمًا، فهذه صفات ذاتية.
وباعتبار أفراد أو آحاد هذه الأفعال هي تابعة للمشيئة، فهو يرحم من شاء إذا شاء، ويرزق من شاء إذا شاء، ويتكلم إذا شاء.
فالكلام قديم النوع، حادث الآحاد، فالكلام صفة ذاتية فعلية، والخلق صفة ذاتية فعلية، والمغفرة وكونه – تعالى – غفورا، صفة ذاتية فعلية، وما أشبه ذلك” انتهى.
ثانيا:
النزول إلى السماء الدنيا: صفة فعلية دلت عليها السنة، كما روى البخاري (1145)، ومسلم (1261) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له).
والنزول إلى السماء الدنيا: ليس أزليا؛ لا نوعه، ولا آحاده؛ لأنا نعلم أنه لم يكن إلا بعد وجود السماء الدنيا، فلا يصح أن يقال: إن النزول قديم الجنس.
ومن أهل العلم من اعتبر للنزول جنسا قديما، وهو الفعل، والله لم يزل فعالا، ويفعل متى شاء، فقال: إن جنس الفعل قديم، والنزول حادث أو متجدد.
قال الشيخ السعدي في التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة، ص 48:
“فائدة أخرى ذكرها شيخ الإسلام وغيره:
وهي أن صفات الرب القولية والفعلية قديمة النوع، حادثة الآحاد، كالكلام، والخلق والرزق، والنزول، وأشباه ذلك ونحو ذلك؛ فجنس الكلام والخلق والرزق والنزول: قديم، وأنواعه تحدث شيئا فشيئا، على حسب حكمة الرب سبحانه، كما في قوله تعالى: ( ما يأتهم من ذكر من ربهم محدث ) الآية، وكخلق آدم بعد أن لم يكن مخلوقا، وغير ذلك، وهكذا الرزق والكلام.
وأما صفات الذات كاليد والقدم والسمع والبصر فهي صفات قديمة كالذات” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “الصفات الذاتية: هي صفات المعاني الثابتة لله أزلا وأبدا، مثل الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، إلى غير ذلك، وهي كثيرة، فهذه نسميها صفات ذاتية؛ لأنه متصف بها أزلا وأبدا ولا تفارق ذاته.
الصفات الفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، مثل الاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد، والفرح بتوبة التائب، والضحك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، والغضب على الكافرين، والرضا للمؤمنين، وغيرها، فهذه نسميها صفات فعلية؛ لأنها من فعله، وفعله يتعلق بمشيئته.
لكن هذا القسم من صفات الله آحاده حادثة، تحدث شيئا فشيئا، وأما جنس الفعل فإنه أزلي أبدي، فجنس كون الله فعالا – أي جنس الفعل في الله عز وجل – أزلي، فلم يزل ولا يزال فعالا، لم يأت وقت من الأوقات يكون الله تعالى معطلا فيه عن الفعل، فإن الله لم يزل ولا يزال فعالا لما يريد سبحانه وتعالى.
لكن نوع الفعل أو آحاده هي التي تكون حادثة.
مثلا: الاستواء على العرش نوع من أنواع الفعل، وهو حادث، لأنه كان بعد خلق العرش، كذلك النزول إلى السماء الدنيا: نوع من أنواع الفعل، وهو حادث، لأنه كان بعد خلق العرش، كذلك النزول إلى السماء الدنيا نوع من أنواع الفعل، وهو حادث، لأنه كان بعد أن خلق السماء الدنيا، كذلك الرضا والغضب نوع من أنواع الفعل، وهو حادث لأنه إذا فعل العبد فعلا يقتضي الرضا، رضي الله عنه، وإذا فعل فعلا يقتضي الغضب، غضب الله عليه” انتهى من “شرح السفارينية”، ص 155 وينظر: ص 241
وقد أدخل الغضب في ذلك أيضا، باعتبار تجدد آحاده.
وكذلك قال الشيخ عبد العزيز السلمان في الكواشف الجلية على الواسطية، ص 430 “مثال صفات الفعل: الاستواء النزول الضحك المجيء العجب الفرح الرضى الحب الكره السخط والإتيان والمقت والأسف، وهذه يقال لها قديمة النوع، حادثة الآحاد، ويصلح أن تقول قبلها: إذا شاء” انتهى.
والحاصل:
أن من أهل العلم من صرح بكون هذه الصفات ذاتية فعلية، وهذا اصطلاح للعلماء، والمقصود الأعظم: إثبات تعلق هذه الصفات بالمشيئة، وأن الله ينزل متى شاء، ويغضب متى شاء.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب