0 / 0

ما هي شروط أصحاب السنن الأربعة في اخراج الأحاديث؟

السؤال: 482290

ما هي الشروط التي يعتمد عليها كلاً من ابن ماجه وأبو داود والترمذي والنسائي لإخراج الحديث؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

سنن الإمام النسائي يقدمها جمع من أهل العلم على سائر السنن الأربعة، لأن شرطه في الرجال أشد، فقد كان شديد التحري في الرواة.

قال ابن طاهر رحمه الله تعالى:

” أخبرنا أبو بكر الأديب، أنبأنا محمد بن عبد الله البيّع إجازة قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن محبوب الرمليّ بمكة يقول: سمعت أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائيّ يقول: ‌لَمّا ‌عزمت ‌على ‌جمع ‌كتاب “‌السنن”، استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعت الخيرة على تركهم، فنزلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيه عنهم.

سألت الإمام أبا القاسم سعد بن عليّ الزنجانيّ بمكة عن حال رجل من الرواة، فوثّقه، فقلت: إن أبا عبد الرحمن النسائيّ ضعّفه، فقال: يا بنيّ إن لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطا أشدّ من شرط البخاريّ ومسلم…

وقال: سمعت أبا طالب الحافظ يقول: من يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النسائيّ؟! عنده حديث ابن لهيعة ترجمةً، ترجمة؛ فما حدّث بها، وكان لا يرى أن يُحدّث بحديث ابن لهيعة ” انتهى من “شروط الأئمة الستة” (ص 26).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” … وأما النسائي: فشرطه أشد من ذلك، ولا يكاد يخرج لمن يغلب عليه الوهم، ولا لمن فحُش خطؤه، وكثُر ” انتهى من “شرح علل الترمذي” (2/613).

ولا يخرج حديث من أُجمِع على ترك حديثه.

قال ابن منده رحمه الله تعالى:

” وسمعت محمد بن سعد البارودي بمصر يقول: كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يُجْمَع على تركه ” انتهى من “شروط الأئمة” (ص 73).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

” من أُجمع على اطِّراحه وتركه، لعدم فهمه وضبطه، أو لكونه متهما، فيندر أن يخرج لهم أحمد والنسائي ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (12/576).

فلهذا كله تُغلب الصحة على أحاديث كتابه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وقال أبو الحسن المعافري: إذا نظرت إلى ما يخرجه أهل الحديث، فما خرجه النسائي أقرب إلى الصحة مما خرجه غيره.

… وفي الجملة: فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا، ورجلا مجروحا ” انتهى من “النكت على كتاب ابن الصلاح” (1/484).

ثانيا:

ويشبه “سننَ النسائي” ويقاربه في درجة القوة والصحة “سننُ أبي داود”.

وقد بيّن أبو داود رحمه الله تعالى شرطه في سننه، وذلك في “رسالته إلى أهل مكة”.

فبيّن أنه يروي أصح ما عنده في الباب، وربما اعتنى بالعلو في الإسناد، ولا يعتني باستيعاب جميع أحاديث الباب الصحيحة.

قال رحمه الله تعالى:

” فإنكم سألتم أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب “السنن”: أهي أصح ما عرفتُ في الباب؟

ووقفت على جميع ما ذكرتم.

فاعلموا أنه كذلك كله؛ إلا أن يكون قد رُوي من وجهين صحيحين، فأحدهما أقوم إسنادا والآخر صاحبه أقدم في الحفظ، فربما كتبت ذلك، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث.

ولم أكتب في الباب إلا حديثا أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح، فإنه يكثر، وإنما أردت قُرب منفعته ” انتهى من “رسالة أبي داود إلى أهل مكة” (ص 24).

ومن ضمن هذا الانتقاء أن يكون الخبر مشهورا، وليس بغريب.

قال رحمه الله تعالى:

” والأحاديث التي وضعتها في “كتاب السنن” أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئا من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يُحتج بحديث غريب، ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد، والثقات من أئمة العلم.

ولو احتج رجل بحديث غريب، وجدت من يطعن فيه، ولا يحتج بالحديث الذي قد احتج به، إذا كان الحديث غريبا شاذا.

فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح: فليس يقدر أن يرده عليك أحد ” انتهى من “رسالة أبي داود إلى أهل مكة” (ص 29).

فإن لم يجد في الباب حديثا صحيحا فربما أورد ما فيه ضعف.

قال ابن منده رحمه الله تعالى:

” وسمعت محمد بن سعد البارودي بمصر: يقول كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه.

وكان أبو داود السجستاني كذلك؛ يأخذ مأخذه، ويخرج الإسناد الضعيف، لأنه أقوى عنده من رأي الرجال ” انتهى من “شروط الأئمة” (ص 73).

ومثال الضعيف الذي يعمل به، إن لم يوجد ما هو أقوى منه: الحديث المرسل.

قال أبو داود رحمه الله تعالى:

” فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، ولم يوجد المسند؛ فالمرسل يُحتَج به، وليس هو مثل المتصل في القوة ” انتهى من “رسالة أبي داود إلى أهل مكة” (ص 26).

وقال رحمه الله تعالى:

” وإن من الأحاديث في كتابي “السنن”: ما ليس بمتصل، وهو: مرسل، ومدلس.

وهو إذا، لم توجد الصحاح، عند عامة أهل الحديث: على معنى أَنه مُتَّصِل ” انتهى من “رسالة أبي داود إلى أهل مكة” (ص 30).

ولا يورد حديث المتروك.

قال رحمه الله تعالى:

” وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء ” انتهى. “رسالة أبي داود إلى أهل مكة” (ص 26).

فإن ذكر خبرا فيه ضعف شديد بيّنه، وما سكت عنه فهو صالح عنده للاعتبار والاحتجاج.

قال رحمه الله تعالى:

” وما كان في كتابي من حديثٍ، فيه وهَن شديد؛ فقد بينته، ومنه مالا يصح سنده.

وما لم أذكر فيه شيئا: فهو صالح، وبعضها أصح من بعض ” انتهى من “رسالة أبي داود إلى أهل مكة” (ص 27 – 28).

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” قلت: فقد وفى رحمه الله بذلك، بحسب اجتهاده، وبين ما ضعفه شديد، ووهنه غير محتمل، وكاسَر عن ما ضعفه خفيف محتَمل.

فلا يلزم من سكوته – والحالة هذه – عن الحديث أن يكون حسنا عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح، الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري، ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو داخل في أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي متجاذبا بين الضعف والحسن.

فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين، ورغب عنه الآخر، ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيدا، سالما من علة وشذوذ، ثم يليه ما كان إسناده صالحا، وقَبِلَه العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا، يعضد كل إسناد منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود، ويسكت عنه غالبا، ثم يليه ما كان بيّن الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالبا، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (13 / 214).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (281048).

ثالثا:

ويليهما من حيث قوة الشرط “سنن الترمذي”.

وعمدته في اختيار الأحاديث التي يدخلها في أبواب الكتاب، هي أن يكون قد جرى عليها العمل.

قال رحمه الله تعالى:

” ‌جميع ‌ما ‌في ‌هذا ‌الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين حديث ابن عباس: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر )، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ).

وقد بينا علة الحديثين جميعا في الكتاب ” انتهى من “سنن الترمذي – كتاب العلل” (6 / 227).

ولهذا لم يلتزم الترمذي بالاقتصار على ذكر صحيح الأخبار، بل يذكر أحاديث الرواة الذين فيهم ضعف، ثم يذكر درجتها عنده.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” والترمذي رحمه الله يخرج حديث الثقة الضابط، ومن يَهِمُ قليلا. ومن يهم كثيرا، ومن يغلب عليه الوهم: يخرج حديثه نادرا، ويبيّن ذلك، ولا يسكت عنه …” انتهى من “شرح علل الترمذي” (2/ 612).

وقال رحمه الله تعالى:

” واعلم أن الترمذي رحمه الله خرّج في كتابه الحديث الصحيح، والحديث الحسن، وهو ما نزل عن درجة الصحيح، وكان فيه بعض ضعف، والحديث الغريب كما سيأتي.

والغرائب التي خرجها: فيها بعض المناكير، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبيّن ذلك غالبا ولا يسكت عنه.

ولا أعلمه خرج ‌عن ‌متهم ‌بالكذب، متفق على اتهامه، حديثا بإسناد منفرد. إلا أنه قد يخرج حديثا مرويا من طرق، أو مختلفا في إسناده، وفي بعض طرقه متهم.

وعلى هذا الوجه خرج حديث محمد بن سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي، نعم قد يخرج عن سيّىء الحفظ، وعمن غلب على حديثه الوهم، ويبيّن ذلك غالبا، ولا يسكت عنه ” انتهى من “شرح علل الترمذي” (2/611).

وقال ابن الملقن رحمه الله تعالى:

” وقال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق في كتابه الموسوم بـ “مذاهب الأئمة في تصحيح الحديث”: كتاب أبي عيسى على أربعة أقسام: قسم: صحيح مقطوع به، وهو ما وافق فيه البخاري ومسلما، وقسم: على شرط أبي داود والنسائي، وقسم: أخرجه للضدية، وأبان عن علته.

وقسم رابع: أبان عنه، فقال: ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء.

وهذا شرط واسع، فإن على هذا الأصل كل حديث احتج به محتج، أو عمل به عامل: أخرجه، سواء صح طريقه أو لم يصح طريقه.

وقد أزاح عن نفسه الكلام؛ فإنه شفى في تصنيفه لكتابه، وتكلم فيه على كل حديث بما فيه ” انتهى من “البدر المنير” (1/303).

ولذكره أحاديث طائفة من شديدي الضعف نزلت رتبته عن رتبة “سنن النسائي” و”سنن أبي داود”.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” بإخراج الترمذي لحديث المصلوب والكلبي وأمثالهما: ‌انحطت ‌رتبة ‌جامعه ‌عن ‌رتبة سنن أبي داود، والنسائي ” انتهى من “تاريخ الإسلام” (3/936).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (285305).

رابعا:

وأما ابن ماجه رحمه الله تعالى، فلم يذكر شرطا لكتابه، وهو وإن انتقى فيه كثيرا من صحيح الأخبار وحسنها؛ إلا أنه اشتمل على جملة من ضعيف الأخبار من غير بيان لها، فهو أكثر السنن الأربعة ذكرا للضعيف.

قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:

” وأما سنن أبي عبد الله بن ماجه ‌القزويني: ‌فلا ‌أعلم ‌له ‌شرطا، وهو أكثر السنن الأربعة ضعفا، وفيه موضوعات، منها: ما ذكره في أثنائه في فضل قزوين” انتهى من “البدر المنير” (1/307).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

” قد كان ‌ابن ‌ماجه ‌حافظا ‌ناقدا صادقا، واسع العلم، وإنما غض من رتبة “سننه” ما في الكتاب من المناكير، وقليل من الموضوعات…

وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة: فكثيرة، لعلها نحو الألف ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (13/278).

وقد أخرج لأحاديث رواة متروكين، لم يخرج لهم سائر أصحاب السنن الأربعة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” وفي الجملة: فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا، ورجلا مجروحا، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي.

ويقابله في الطرف الآخر: كتاب ابن ماجه فإنه تفرد فيه بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث وبعض تلك الأحاديث لا تعرف إلا من جهتهم ” انتهى من “النكت” (1 / 485).

وينظر، حول “سنن ابن ماجه”، ومعالم منهجه فيها: “السنن” طبعة دار التأصيل (1/32)، وما بعدها. وينظر أيضا: مقدمة طبعة الأرناؤوط، وطبعة عصام موسى هادي.

وينظر أيضا للفائدة: جواب السؤال رقم: (316305)، ورقم: (21523).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android