بعض الأشخاص يودعون أموالهم لدى لأستثمرها لهم فى بناء العقارات وبيعها مقابل أرباح تحتسب كل سنتين كنسبة من رأس المال، فى واقع الأمر هذه النسبة لم تتغير، على الرغم من تغير الأسعار العقارات وحدوث قفزات هائلة فى أسعار العقارات، وبالتالى حدوث تضحم لرأس المال، لم أعط أياً من المودعين أى نسبة من هذا التضخم، وظلت رؤوس أموالهم كما هى، كما لم تزدد الأرباح بأى مقدار على مدار أكثر من عشر سنوات تضاعفت فيها أسعار العقارات عدة مرات، حاول المودعون أن يجادلوا في هذا النظام، وعدم رضائهم عن هذا الوضع، إلا أنهم لم يجدوا منى أذتاً صاغية، ولم ألتفت إلى شكواهم مطلقاً، عندما يئسوا طالبوا يإسترداد أموالهم إلا إننى رفضت، ومن وافقت له وافقت بعد مضى سنتان من مطالبته، ولم أصرف له سوى النسبة المحددة سلفاً، وغير المعترف بها من ناحيتهم، يتهمنى هؤلاء بتضييع حقوقهم، وأكل مالهم، وحبس مالهم، وينعتوننى بالظالم لهم ولنفسى، ويخوفوننى بعاقبة تلك الممارسات. فما رأى الشرع فيما أصنعه، علماً بأن هذه فلسفة السوق والمعاملات المالية السارية فى مجتمع رجال الأعمال؟
ما حكم استثمار أموال الناس في العقارات بنسبة من رأس المال ومماطلة من أراد الخروج من الشركة؟
السؤال: 482386
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يجوز استثمار أموال الناس في بناء العقارات وبيعها، مقابل نسبة من الأرباح، ولا يجوز أن يكون الاتفاق على نسبة من رأس المال.
ويشترط أيضا: عدم ضمان رأس المال، فإذا حصلت خسارة بغير تعدٍّ منك أو تفريط، تحمّل الجميع الخسارة بقدر أموالهم.
وإذا كان الربح نسبة من رأس المال، مع ضمان رأس المال، كان قرضا ربويا في الحقيقة، وليس شركة.
ثانيا:
إذا كان الربح نسبة من رأس المال، فسدت الشركة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة , أو جعل مع نصيبه دراهم , مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم , بطلت الشركة.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض (المضاربة) إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة، وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي , وأبو ثور وأصحاب الرأي " انتهى من "المغني" (5/ 23).
وجاء في "المعايير الشرعية"، ص 198: " **لا يجوز أن تشتمل شروط الشركة أو أسس توزيع أرباحها على أي نص أو شرط يؤدي إلى احتمال قطع الاشتراك في الربح، فإن وقع كان العقد باطلاً.
**لا يجوز أن يُشترط لأحد الشركاء مبلغ محدد من الربح أو نسبة من رأس المال" انتهى.
ثالثا:
إذا فسدت الشركة، فهناك خلاف بين الفقهاء فيما يترتب على ذلك في توزيع الربح والخسارة.
فمنهم من قال: إن لصاحب المال الربح كله، والخسارة عليه، وللعامل-الذي هو أنت- أجرة المثل.
ومنهم من قال: بل الربح يقسم بينهما كمضاربة المثل.
وينظر: جواب السؤال رقم: (325367 ).
والأرجح هو القول الثاني، وأن الربح يقسم بينهما كمضاربة المثل، فينظر كم يأخذ الناس في مثل هذه الشركات، 40% أو 50% أو غير ذلك، فيكون لك ذلك، ويكون للمستثمرين الباقي.
وعليه؛ فلا عبرة باتفاقك السابق معهم، وإنما تنظر في أرباح السنوات الماضية جميعا، فيكون لك منها ما يأخذه المضاربون ك 40% أو 50% ويكون باقي الأرباح للمستثمرين، يوزع عليهم؛ كل بحسب رأس ماله.
رابعا:
إذا طلب المستثمر الخروج من الشركة، صحيحةً كانت أو فاسدة، وجب تلبية طلبه إلا أن تكون الشركة مقيدة بوقت كسنة أو ستة أشهر، ولا يجوز تأخيره عن المدة المتفق عليها. أو كان الأمر يحتاج إلى وقت لتنضيد المال، (أي تسييله) كأن يكون العقار يحتاج إلى وقت للبيع، فينتظر إلى بيعه، أو يعطى نصيبه من العقار ويتولى هو بيعه.
وذلك أن الشركة عقد جائز غير لازم، فلكل طرف إنهاؤها ولو دون رضا الآخر.
وجاء في "المعايير الشرعية"، ص 199: "يحق لأي من الشركاء الفسخ (الانسحاب من الشركة) بعلم بقية الشركاء، وإعطاؤه نصيبه من الشركة، ولا يستلزم ذلك فسخ الشركة فيما بين الباقين. كما يجوز أن يتعهد الشركاء تعهداً ملزماً لهم ببقاء الشركة مدة معينة، ويجوز في هذه الحالة الاتفاق على إنهائها قبل انتهاء مدتها…
تنتهي الشركة بانتهاء مدتها، أو قبل ذلك باتفاق الشركاء، أو بالتنضيض الحقيقي للموجودات في حال المشاركة بصفقة معينة، كما تنتهي الشركة بالتنضيض الحكمي، ويعتبر كما لو أن الشركة القائمة قد انتهت وبدئ بشركة جديدة، حيث إن الموجودات التي لم يتم بيعها بالتنضيض الحقيقي، وتم تقويمها بالتنضيض الحكمي، تكون قيمتها هي رأس مال للشركة الجديدة.
وإذا كانت التصفية بانتهاء المدة فإنه يتم بيع بقية البضاعة الموجودات بالسعر المتاح في السوق، وتستخدم حصيلة تصفية الشركة على النحو الآتي:
أ- دفع تكاليف التصفية.
ب- أداء الالتزامات المالية من إجمالي موجودات الشركة.
ج- تقسيم باقي الموجودات بين الشركاء بنسبة حصة كل منهم في رأس المال، وإذا لم تكف الموجودات لاسترداد رأس المال، فإنها تقسم بينهم بالنسبة والتناسب (قسمة غرماء) " انتهى.
خامسا:
عدم الاستجابة لطلب الشركاء في تعديل الربح، أو في الخروج من الشركة، وتأخير رد المال إليهم: ظلم محرم، وكان عليك إما تعديل العقد، أو فض الشركة معهم والتعجيل برد رأس المال والربح.
وأما الاستمرار مع عدم رضاهم، فهذا غصب لأموالهم بالباطل، وظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة.
وقد قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا النساء/29
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ .
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ رواه مسلم (137) من حديث أبي أمامة، رضي الله عنه.
قضيب من أراك: هو عود السواك!!
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ رواه البخاري (2449) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ .
قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ.
فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ رواه مسلم (2581) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
ولا يغرنك إمهال الله لك، وإملاؤه لك في المال والعَرَض الزائل؛ فإن الله عز وجل شديد العقاب؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ، إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ رواه البخاري (4686)، ومسلم (2583) من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه.
ولا عبرة بكون هذا الظلم أو التعامل المحرم شائعا بين الناس، فإن شيوع الظلم لا يبيحه؛ وكم من منكرات شاعت بين الأمم من قبلنا، فكانت سببا في سخط الله عليها، وإحلال عقوبته ونكاله بهم؛
قال الله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ المائدة/78-79
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنَّ أوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ الله ودَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الغَدِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، فَلا يَمْنَعُهُ ذلِكَ أَنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وَشَريبَهُ وَقَعيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ ضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ .
ثُمَّ قَالَ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ – إِلَى قوله – فاسِقُونَ [المائدة: 78 – 81].
ثُمَّ قَالَ: ( كَلاَّ، وَاللهِ لَتَأمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، وَلَتَأخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتَأطِرُنَّهُ عَلَى الحَقِّ أطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّه عَلَى الحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَننكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ ) رواه أَبُو داود (4336)، والترمذي (3048)، وَقالَ: حديث حسن.
والإنسان على نفسه بصيرة، وكل يسأل عن نفسه يوم القيامة. قال الله عز وجل: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ القيامة/14-15، وقال تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا مريم/93-95.
فاحمد الله يا عبد الله أن وفقك للسؤال عن ذلك البلاء والظلم الذي فشا فيكم، وكم من الناس من لا يسأل ولا يبالي؛ واسأله أن يوفقك للتوبة النصوح، ورد المظالم إلى أهلها، والتحلل منهم على أن حبست عنهم حقوقهم كل هذا الزمان، حتى ولو رددتها كاملة لهم، فمطلك لهم وتأخير تسليم الحقوق ظلم بمفرده؛ فكيف لو بخستهم حقوقهم مع ذلك؟! فبادر برد الحقول إلى أهلها من الآن؛ رأس المال لمن طلبه، وربحه. ومن لم يطلب رأس ماله، فصحح معاملتك معهم، على ما ذكرنا لك، وأعطهم أرباحهم التي استحقوها عن المدة الماضية.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة