توفي والدي، وترك أرضاً زراعية، كان قد تعاقد شفاهةً مع أحد المستثمرين على زراعتها، وله نسبة 30% من ناتج ثمارها، وقد اتفقا على أن يزرع شجر الموز في المزرعة، وقد أعطى المستثمر مالاً لأبي على أن يخصم من الإنتاج لاحقاً، علماً بأن زمن نضج الموز هو 9 أشهر، ومرت سنتان، وتوفي والدي خلال هذه السنتين، وقد قام المستثمر بزراعة جزء ضئيل من هذه الأرض ولم يكملها، وقد أمهلته 9 أشهر إضافية، ولم يحرك ساكناً، والآن أريد إنهاء المزارعة.
سؤالي هو:
ماذا يترتب علي وعليه من إنهاء لهذا العقد؟
ما حكم الجمع بين المزارعة والقرض؟
السؤال: 482963
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
تجوز المزارعة سواء كان البذر والتكاليف من رب الأرض، أو من العامل، على الراجح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ، فَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، أَوْ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ كَانَ مِنْ شَخْصٍ أَرْضٌ، وَمِنْ آخَرَ بَذْرٌ، وَمِنْ ثَالِثٍ الْعَمَلُ، فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّهَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَكَانَ عُمَرُ يُزَارِعُ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْمَالِكِ، فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامِلِ، فَلَهُ كَذَا، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. فَجَوَّزَ عُمَرُ هَذَا وَهَذَا، وهذا هو الصواب ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (5/ 101).
ثانيا:
قد ذكرت أن العامل أعطى والدك مالا على أن يخصم من الإنتاج، وهذا يكيّف على أنه قرض، سواء أعطاه له على أن تكون التكلفة من والدك، عملا بقول من يقول: إنه لابد أن يكون البذر من رب الأرض، أو أعطاه له باعتباره جزءا مقدما من الربح، كما هو الظاهر من سؤالك، أو أعطاه له لحاجة الوالد إليه في أمر آخر.
وقد وقعا بذلك في أمر محذور عند جمهور الفقهاء، وهو الجمع بين القرض والمزارعة.
ولكن الأقرب جواز ذلك؛ لأن المزارعة ليست عقد معاوضة، بل عقد يقصد منه الربح، كالشركة والمضاربة، وقد أجاز الحنفية الجمع بين القرض والشركة، والمزارعة مثل الشركة في كون النفع فيها مشتركا ليس مختصا بالمقرض، بل في صورة السؤال النفع هنا للمقترض.
قال السرخسي رحمه الله: ” لو دفع ألفَ درهم إلى رجل، على أن يكون نصفها قرضا عليه، ويعمل في النصف الآخر بشركته: يجوز ذلك ” انتهى من المبسوط (12/ 64).
وينظر أيضا في الجمع بين القرض والشركة: ينظر: “العناية شرح الهداية” (9/ 28)، “الفتاوى الهندية” (4/ 290)، “حاشية ابن عابدين” (4/ 331).
وقال الدكتور عبد الله العمراني في “العقود المالية المركبة” ص 96: “وأما اشتراط عقد ليس عقد معاوضة، والمقصود منه الربح، كالشركة والمضاربة مع عقد القرض، فقد اختلف فيه الفقهاء.
والذي يظهر جوازه ما لم يؤد إلى زيادة في مقابل القرض” انتهى.
ثالثا:
المزارعة تنفسخ بموت رب الأرض أو العامل.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (37/77) فيما تنفسخ به المزارعة: “رابعا: موت أحد المتعاقدين:
ذهب الحنفية إلى أن المزارعة تفسخ بموت أحد المتعاقدين سواء صاحب الأرض، أو المزارع، وسواء أكانت الوفاة قبل زراعة الأرض أم كانت بعدها، وسواء أكان الزرع بقلا أم بلغ الحصاد.
ووجه ذلك أن العقد أفاد الحكم للعاقد خاصة دون وارثه، لأنه عاقد لنفسه، والأصل أن من عقد لنفسه بطريق الأصالة، فإن حكم تصرفه يقع له لا لغيره إلا لضرورة.
وذهب الحنابلة إلى ذلك أيضا، وقالوا: إن على ورثة المزارع متابعة العمل إذا كان المزارع هو المتوفى، وكان الزرع قد أدرك، ولكنهم لا يُجبَرون على ذلك، وقالوا: هذا ما لم يكن المزارع مقصودا لعينه، فإن كان مقصودا لعينه لم يلزم ورثته ذلك” انتهى.
وعليه؛ فلك فسخ العقد، وترد القرض الذي أخذه والدك، ويُقسم ما وجد من الموز بالنسبة المتفق عليها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب