ما هو ( الصور ) المذكور في قوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) الزمر/68 ، وكيف يكون النفخ فيه ؟.
حقيقة النفخ في الصور
السؤال: 49009
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الصور في لغة العرب هو : القرن ( يشبه البوق ) وقد سئل رسول الله عن الصور ففسره بما تعرفه العرب من كلامها كما في سنن الترمذي ( 3244 ) وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال أعرابي : يا رسول الله ما الصور ؟ قال : ” قرن ينفخ فيه ” وصححه الألباني في الصحيحة ( 1080 )
وأما الذي يَنفُخ فيه : فقد ” اشتهر أنه إسرافيل عليه السلام ، ونقل بعض العلماء الإجماع على ذلك ، ووقع التصريح به في بعض الأحاديث ” انظر( فتح الباري 11 / 368 )
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن صاحب الصور مستعد للنفخ فيه منذ أن خلقه الله تعالى كما في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش ، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان ” وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1078 ) .
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن النفخ في الصور يكون مرتين : الأولى يحصل بها الصعق ، والثانية يحصل بها البعث مستدلين بقوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/68 .
وبما ورد في الأحاديث الصحيحة التي ذكرت هاتين النفختين وما يترتب عليهما من آثار فقد روى البخاري ( 4651 ) ومسلم ( 2955 ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما بين النفختين أربعون . قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوما ؟ قال : أبيت قالوا أربعون شهرا ؟ قال : أبيت قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت . ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل . قال : وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة “
قال النووي : ومعنى قول أبي هريرة ( أبيت ) أي أبيت أن أجزم أن المراد أربعون يوماً أو سنة أو شهراً بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة . اهـ .
وفي صحيح مسلم ( 2940 ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” .. ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال :وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل ( شك الراوي ) فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ” وقوله : ( أصغى ليتا ) : أصغى أي أمال ، والليت هو جانب العنق والمعنى فلا يبقى أحد إلا أمال عنقه ، ورفع عنقه ، وقوله :( يلوط حوض إبله ) : أي يطين ويصلح مجمع الماء الذي تشرب منه إبله .(شرح النووي على مسلم 18 /76 )
ومن العلماء من قال : إنها ثلاث نفخات وزاد فيها نفخة الفزع وأنها تكون قبل نفخة الصعق ثم تليها نفخة الصعق مستندين على ما ورد في قوله تعالى : ( وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) النمل/87
ولكن لا يلزم من ذكر الصعق في آية والفزع في الأخرى أن لا يحصلا معا من النفخة الأولى بل هما متلازمان فإذا نفخ في الصور فزع الناس فزعاً صعقوا منه وماتوا .
واستدلوا أيضاً ببعض الأحاديث التي ورد فيها أن النفخات ثلاث .
لكن الحديث الذي استدلوا به هو حديث الصور الطويل ؛ وهو حديث ضعيف مضطرب كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله . والله أعلم . انظر التذكرة للقرطبي ( 184 ) وفتح الباري ( 11 / 369 ) .
فيستفاد مما سبق أن الله تعالى إذا أذن بموت الأحياء أمر ملك الصور أن ينفخ فيه ؛ فينفخ نفخة عظيمة تفزع جميع الخلائق فيصعقون منها ويهلكون ، ثم يمكثون على ذلك مدة قدرها أربعين من غير تحديد بسنة أو شهر أو يوم ـ الله أعلم بمقدارها ـ فتتحلل أجسادهم في هذه المدة ولا يبقى منها إلا عجب الذنب وهو العظم المستدير الذي في أصل الظهر ، ثم يرسل الله سحابا فتمطر مطرا فإذا أصاب الماء هذا العظم نبت منه الجسم كما ينبت النبات ويتركب الخلق من هذا العظم كما بدأ الله الخلق أول مرة يعيده وهو على كل شيء قدير ، ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فتعود الأرواح إلى الأجساد فيخرجون من القبور سراعا إلى أرض المحشر نسأل الله رحمته ولطفه .
وبعد فالواجب على المسلم أن يستعد لهذه اللحظات الحاسمة بالمبادرة للأعمال الصالحة ، والمسارعة في الخيرات ، والبعد عن الأمور المنكرة ، و مجانبة السيئات .
وإذا كان أخشى الخلق لله وأتقاهم له يقول : ” كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ .. “أخرجه الترمذي في السنن(2431 ) وغيره وصححه الألباني في السلسة ( 1079 )
فكيف بحالنا نحن المقصرين الضعفاء ؟! نسأل الله أن يجعلنا ممن لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون .. آمين . والله أعلم .
يراجع ( القيامة الكبرى للشيخ عمر الأشقر 33- 42 ) و ( أعلام السنة المنشورة 122 ).
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب