تنزيل
0 / 0
1,28811/01/2024

هل كل أنكحة الكفار صحيحة؟

السؤال: 492842

أولا أود أن أشكركم على ما تقدمونه من مجهود في مثل هذا الموقع الرائع، لقد دلني عليه أحد الأخوة، واستفدت استفادات كثيرة. وسؤالي: هل أنكحة الكفار دائما صحيحة إذا اعتقدوا ذلك فقط؟ وهل لو توفرت شروط أنكحة المسلمين عندهم لكن هم لم يعتقدوا أن ذلك نكاحا هل نعتبره كمسلمين نكاحا صحيحا، أم نسير على معتقداتهم؟ وهل معاملة المرتدين كمعاملة الكفار؟ وهل أنكحتهم صحيحة إذا أعتقدوا ذلك؟ أم يجب الأركان الأخرى أن تتوفر؟ فأنا أسلمت منذ شهرين، الحمدلله تعالى، ولكن قبلها حدث بيني وبين امرأة مرتدة كما يسمى في إسلامنا صيغة إيجاب وقبول، ولم تعتقد أن ذلك نكاحا، وأسلمت هي بعدها، لكنها لم تكن مؤمنة بكل الإسلام، و أسلمت مرة أخرى، وخُطبت لشخص آخر، فهل لديها الحق أن تكمل حياتها هكذا؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

بداية نحمد الله تعالى أن هداك للإسلام ، وهذه أعظم نعم الله على عبده ، ونسأله سبحانه أن يزيدك هدى وثباتا .

سؤالك فيه مواضع مجملة لم تتبين لنا ، تحتاج إلى بيان ، ولكننا سنحاول –قدر الإمكان- أن يكون الجواب وافيا .

أولا :

أنكحة الكفار صحيحة بشرطين :

الأول : أن يعتقدوا صحتها في دينهم .

الثاني : أن لا يتحاكموا إلينا قبل عقده .

قال البهوتي رحمه الله : "ويقَرُّون على فاسد النكاح، إذا اعتقدوا صحته في شرعهم، بخلاف ما لايعتقدون حِله ، فلا يقرون عليه ، لأنه ليس من دينهم .

ولم يرتفعوا إلينا [أي : لم يتحاكموا إلينا]" انتهى من "الروض المربع" (6/351) .

وظاهر كلام العلماء في هذا أننا لا نعتبر في أنكحة الكفار، فيما بينهم: أن تتحقق فيها شروط النكاح الشرعي عند المسلمين؛ بل ننظر إلى اعتقادهم هم .

لكن، متى تحاكموا إلينا، ولو قبل إسلامهم؛ فإن القاضي يلزمهم بحكم الإسلام ، وإن كانوا لا يعتقدونه ، لأن للقاضي سلطة الإلزام .

على أنك لم تذكر فيما يخص مسألتك أن النكاح كان موافقا لأحكام الإسلام .

ثانيا :

المرتدون ليسوا كالكفار من كل وجه ، بل كفرهم وأحكامهم أشد من أحكام الكافر الأصلي ، ولذلك قد يقر الكافر الأصلي على كفره في بلد الإسلام ، أما المرتد فلا يقر بحال.

ويجوز للمسلم أن يأكل طعام أهل الكتاب ويتزوج من نسائهم ، ولا يجوز للمسلم أن يأكل طعام المرتد ، ولا أن ينكح المرتدة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"المرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/193).

ثالثا :

من الفروق التي ذكرها أكثر العلماء بين المرتد والكافر الأصلي : أن المرتد إذا تزوج حال ردته ، فإن نكاحه لا يصح ، ولا يقر عليه ، سواء تزوج من شخص مسلم ، أم مرتد ، أم كافر كفرا أصليا .

وقد نص على ذلك جمهور العلماء (الحنفية والشافعية والحنابلة).

قال الإمام الشافعي، رحمه الله :

"وإذا ارتد المسلم فنكح مسلمةً أو مرتدةً أو مشركةً أو وثنيةً، فالنكاح باطلٌ أسلما أو أحدُهما، أو لم يسلما ولا أحدُهما، فإن أصابها فلها مهر مثلها، والولد لاحقٌ، ولا حد، وإن كان لم يصبها فلا مهرَ ولا نصفَ ولا متعةَ، وإذا أصابها فلها مهرُ مثلِها، ولا يُحَصِّنُها ذلك، ولا تحل به لزوج لو طلقها ثلاثًا؛ لأن النكاح فاسدٌ، وإنما أفسدته؛ لأنه مشركٌ لا يحل له نكاحُ مسلمةٍ، ولا يُتركُ على دينه بحالٍ، ليس كالذمي الآمن على ذمة؛ للجزية يؤديها ويترك على حكمه ما لم يتحاكم إلينا، ولا مشركٌ حربيٌّ يَحِلُّ تركُهُ على دينهِ والمنُّ عليه بعد ما يُقْدَر عليه". انتهى. مختصرًا، من "الأم" (5/62).

وقال السرخسي في "المبسوط": 5 / 48-49": "ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدةً، ولا مسلمةً، ولا كافرةً أصليةً؛ لأن النكاح يعتمد الملةَ، ولا ملةَ للمرتدِّ، فإنه ترك ما كان عليه، وهو غير مقر على ما اعتقده، وحقيقة المعنى فيه من وجهين: أحدُهما: أن النكاح مشروعُ؛ لمعنى البقاء، فإن بقاء النسل به يكون، وكذلك بقاء النفوس بالقيام بمصالح المعيشة، والمرتد مستحق للقتل، فما كان سبب البقاء لا يكون مشروعًا في حقه. والثاني: أن قتله بنفس الردة صار مستحَقًّا، وإنما يُمْهلُ ثلاثة أيام؛ ليتأمل فيما عرض له من الشبهة، ففيما وراء ذلك، جُعِل كأنه لا حياة له حكمًا، فلا يصح منه عقد النكاح؛ لأن اشتغاله بعقد النكاح يشغله عما لأجله حياته، وهو التأمُّلُ".

وقال البهاء ابن أبي عمر، في "الشرح الكبير" (27/153):

"وإن تَزَوَّجَ [يعني : المرتد ] لم يَصِحَّ تَزَوُّجُه؛ لأنَّه لا يُقَرُّ على النِّكاحِ، وما مَنَع الإِقْرارَ على النِّكاحِ، مَنَع انعِقادَه، كنِكاحِ الكافِرِ المُسْلِمَةَ" انتهى .

رابعا :

النكاح عندنا – نحن المسلمين- ليس إيجابا وقبولا فقط ، بل له شروط وأركان سبق بيانها مجملة في جواب السؤال رقم: (2127 ).

ومن أركانه : الإيجاب والقبول .

ومن شروطه : أن يتولى عقد النكاح ولي المرأة ، ولا يجوز للمرأة أن تعقد نكاحها بنفسها .

ومن شروطه : أن يتم إعلان العقد ، أو على الأقل: يشهد عليه رجلان .

وأنت لم تخبرنا إلا بالإيجاب والقبول فقط .

فوجود الإيجاب والقبول لا يكفي لكون النكاح صحيحا على الشريعة الإسلامية .

خامسا :

قد ذكرت أن إسلامك كان منذ شهرين ، وأن زواجك بتلك المرأة كان قبل ذلك .

ولم تبين وقته بالتحديد ، كما أنك ذكرت أنها أسلمت ولكنها لم تكن آمنت بكل الإسلام ، ثم أسلمت مرة أخرى .

وكل هذا كلام مجمل ، يجعل الفتوى بحاجة إلى الإطالة .

لكن .. إذا نطق الإنسان الشهادتين واعتقد صحة دين الإسلام وبطلان كل دين سواء ، وتبرأ مما كان سببا لردته من قبل (هذا بالنسبة للمرتد) : فهذا يكفي للحكم على الشخص بأنه مسلم ، ولا يشترط أن يكون مسلما كامل الإسلام والإيمان حتى نحكم له بالإسلام .

فإذا كانت تلك المرأة بهذه الصفة فهي مسلمة ، وإن لم تكن كذلك فلا تكون مسلمة .

وأما إسلامها قبل إسلامك :

فإن حكمنا بصحة إسلامها، سواء في المرة الأولى أو الثانية ، وافترضنا أن ذلك الذي حصل بينكما كان زواجا : فإنه يفرق بينكما بمجرد إسلامها ، لأن المسلمة لا يحل لها أن تتزوج من نصراني، أو من مرتد ، أو غيرهما ممن لا يدين بالإسلام ، وهذا التفريق يكون من غير طلاق ، ثم تعتد منه ، بثلاث حيضات (إن كانت تحيض) .

فإذا أسلم زوجها في مدة عدتها ، فهما على نكاحهما السابق .

وإن انقضت العدة ولم يُسلم ، ملكت أمر نفسها ، ولم يعد لزوجها عليها سلطان ، فإن شاءت تزوجت من غيره بعد انقضاء العدة ، وإن شاءت انتظرته لعله يسلم ، فإن أسلم ، رجعت إليه إن أرادا ، وهل ترجع إليه بعقد نكاح جديد أو بالعقد السابق ؟ قولان للعلماء .

والراجح أنه لا حاجة إلى عقد جديد ، وأن العقد السابق يكفي ، ما دامت انتظرته ، ولم تتزوج بغيره .

وبعد هذا التفصيل يمكنك الحكم على صحة نكاحك منها قبل إسلامك ، هل هو صحيح أم لا ؟

ولو احتطت أنت، وطلقتها، فهو حسن. ثم لا شأن لك بها، ما دامت مضت في حياتها بعيدا عنك، وتركت ذلك الماضي. ومتى ارتابت هي في أمر نكاحها الأول، أو الثاني: فلتسأل من تثق فيه من أهل العلم والدين.

والله أعلم

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android