أنا شاب أعمل كمطور برمجيات، منذ ٥ شهور بدأت العمل مع صديق لشخص كان يريدنا أن نبرمج له تطبيق جوال، في البداية كان كل شيء على ما يرام، أنا وصديقي نعمل بشغف، ومع مرور الوقت أصبح الصديق لا يطاق بسبب أسلوبه في العمل، وطريقه تعامله معي، وكلت أمري على الله تعالى، وقلت لنفسي: إنها فقط أشهر قليلة وينتهي المشروع، ولكن تصادمنا مجددا، لم أستطع أن أتحمل بعد الآن، لقد أرسلت إلى الزبون معاناتي، وقلت له: إنني سأترك المشروع، أنا وصديقي تلقينا ٥٠٪ من المشروع، ولقد أنجزنا أكثر من ٦٥٪ منه، صاحب العمل تفاجىء جدا، وقال: إنه دفع كثيرا من المالً على الأشياء الاخرى للمشروع، الأشياء التي لا تتعلق بنا، بل تتعلق برسوم تسجيل الشركة من البلدية، يشهد الله أني عملت ٣ أشهر بأجر زهيد، وتحملت الكثير قبل وصولي لهذه النقطة، فما حكم شرع الله في هذه القصة؟ وفي حال توجب علي دفع تعويض فما قيمته؟ وهل يحسب كنسبة من المال الزهيد الذي تقاضيته أو كيف؟
إذا ترك العامل العمل فهل يلزمه تعويض عن الضرر؟
السؤال: 498004
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا كان الاتفاق على عمل التطبيق مقابل مبلغ معين، أو كان الاتفاق على العمل مدة معلومة، كسنة مثلا، بأجرة شهرية: وجب الوفاء بالعقد في الصورتين، لأن الإجارة عقد لازم لا ينفسخ إلا برضى الطرفين.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم) رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في “صحيح أبي داود “.
فيأثم الموظف لو ترك العمل بلا عذر.
قال ابن قدامة رحمه الله في المقنع، ص208: ” والإِجارة عقد لازم من الطرفين، ليس لأحدهما فسخها. وإِن بدا له [أي بدا للمستأجِر أن يفسخ الإجارة] قبل تقضّي المدة: فعليه الأجرة” انتهى.
وقال البهوتي في “كشاف القناع” (4/31): ” (وإن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها) بأن استأجر عبدا معينا، أو إنسانا معينا ليخيط له شهرا، أو ليبني له هذا الحائط، (فمرض) الأجير: (لم يقم غيره مقامه)؛ لوقوع العقد على عينه، كالمبيع المعيَّن” انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز فسخ الإجارة للعذر الطارئ، وهو مذهب الحنفية.
جاء في “شرح الزيادات” لقاضي خان (4/1318):
«الإجارة تُفسخ بالأعذار عندنا؛ لأنه لا تمكّن من استيفاء المعقود عليه إلا بضرر.
وقال الشافعي: لا تُفسخ، لأنه إبطال حق الآخر…
و”العذر”: أن لا يمكنه الجَري على موجَب العقد، إلا بضررٍ يلحقُه في غير المعقود عليه؛ لأنه لم يلتزم ضررًا لم يتناوله العقد” انتهى.
وقال الكاساني في “بدائع الصنائع” (4/197):
” ولقب المسألة أن الإجارة تفسخ بالأعذار عندنا، خلافا له [أي: للشافعي] …
أما الذي في جانب المستأجِر: فنحو أن يُفلس، فيقوم من السوق، أو يريد سفرا، أو ينتقل من الحرفة إلى الزراعة، أو من الزراعة إلى التجارة، أو ينتقل من حرفة إلى حرفة؛ لأن المفلس لا ينتفع بالحانوت، فكان في إبقاء العقد من غير استيفاء المنفعة إضرار به ضررا لم يلتزمه العقد؛ فلا يجبر على عمله … ” انتهى.
وفي “الموسوعة الفقهية” (1/ 271): ” فسخ الإجارة للعذر:
الحنفية، كما سبق، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجَر (بفتح الجيم) ولا يبقى العقد لازما، ويصح الفسخ؛ إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد؛ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، وله ولاية ذلك. وقالوا: إن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا ليقلعها، فسكن الوجع، يجبر على القلع. وهذا قبيح شرعا وعقلا.
ويقرب منهم المالكية في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسع فيه الحنفية، إذ قالوا: لو كان العذر بغصب العين المستأجرة أو منفعتها أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حمل ظِئر – لأن لبن الحامل يضر الرضيع – أو مرضها الذي لا تقدر معه على رضاع: حق للمستأجر الفسخ، أو البقاء على الإجارة” انتهى.
وجاء في معيار الإجارة: “يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يحق لأحدهما فسخها إلا بالعذر الطارئ، كما يحق للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين المخل بالانتفاع” انتهى من “المعايير الشرعية”، ص 141
وعلى هذا فالأصل أن تُتِمَّ العمل، وأن تصبر على ما تجده من سوء معاملة صاحبك؛ وفاء بالعقد، ومنعا لضرر المستأجِر، ولو أمكنك أن تتم العمل في بيتك أو في مكان لا تلتقي فيه بصاحبك، فافعل.
فإن تعذر ذلك كله، وتضررت ضررا بيّنا باستمرارك في العمل، فتحلل من المستأجر، فإن أبى فلا حرج عليك في فسخ العقد، أخذا بقول من أجاز فسخ الإجارة للعذر الطارئ.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (350012)، ورقم: (381382).
ثانيا:
في حال الفسخ للعذر، إن كان في العقد شرط جزائي بدفع مبلغ معين، لزمك ذلك؛ لصحة الشرط الجزائي في الأعمال والمقاولات، دون الديون.
وينظر جواب السؤال رقم: (179673).
وإن لم يكن شرط جزائي، هنا تفصيل:
1-فإن كان الاتفاق على عمل التطبيق مقابل مبلغ معين، فإنك لا تستحق شيئا عما عملتَه من قبل.
قال ابن قدامة في “المغني” (5/ 335): ” إذا هرب الأجير، أو شردت الدابة، … لم تنفسخ الإجارة، لكن يثبت للمستأجِر خيار الفسخ.
فإن فسخ، فلا كلام.
وإن لم يفسخ، انفسخت الإجارة بمضي المدة، يوما فيوما…
وإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة، كخِياطة ثوب، أو بناء حائط، أو حمل إلى موضع معين: استؤجر من ماله من يعمله، كما لو أسلم إليه في شيء، فهرب، ابتيع من ماله.
فإن لم يمكن: ثبت للمستأجر الفسخ.
فإن فسخ، فلا كلام.
وإن لم يفسخ، وصبر إلى أن يقدر عليه، فله مطالبته بالعمل؛ لأن ما في الذمة لا يفوت بهربه.
وكل موضع امتنع الأجير من العمل فيه، أو منع المؤْجِر المستأجرَ من الانتفاع، إذا كان بعد عمل البعض: فلا أجر له فيه، على ما سبق، إلا أن يرد العين قبل انقضاء المدة، أو يُتِمَّ العمل إن لم يكن على مدة قبل فسخ المستأجر، فيكون له أجر ما عمل” انتهى.
وقوله: ” استؤجر من ماله من يعمله” أي: ” أي استأجر الحاكم من مال الأجير من يعمله، لأن له ولاية على الغائب والممتنع فيقوم عنهما بما وجب عليهما من مالهما” انتهى من كشاف القناع (4/ 25).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (202393).
وموضع ذلك أيضا، كما سبق في كلام ابن قدامة: مع بقاء عقد الإجارة وآثاره، ومنها: استحقاق الأجير الأجرة كاملة، سواء تسلمها، أم لم يتسلمها؛ فيستأجر الحاكم من مال الأجير من يتم له العمل الذي استؤجر عليه، ويوفيه أجرته، إن كان قد بقي له منها شيء.
وأما أن يفسخ العقد، ويبطل أجره، فلا يستحق منه شيئا، ثم يُقضَى عليه بأن يستأجر من ماله من يتم عمله: فهذا لا قائل به، فيما نعلم، وفيما وقفنا عليه من كلام الفقهاء.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (421095).
2-وإن كان الاتفاق على العمل شهريا لمدة سنة مثلا، فإنك تستحق أجرة المدة التي عملتها.
قال في “شرح منتهى الإرادات” (2/ 264): ” (وإن هرب أجير) مدة العمل، قبل استيفاء بعض النفع حتى انقضت، انفسخت… ، ولا أجرة لزمنِ هربٍ ” انتهى.
وقال الحموي في “غمز عيون البصائر” (3/136):
” قال في الخانية: أعطى رجلا درهمين، ليعمل له يومين، ولم يذكر العمل: لم تصح الإجارة.
فإن عمل يوما، وامتنع عن العمل في اليوم الثاني: لا يجبر على العمل؛ لفساد الإجارة.
وإن كان سمى له عملا معلوما: جازت الإجارة، ويجبر على العمل.
وإن فسخ الإجارة: فعليه أجر مثلِ ما مضى” انتهى.
وقوله: ” وإن فسخ الإجارة …”: مراده بذلك: حيث فسدت الإجارة، فإن كان قد عمل يوما، أو عمل اليومين: فإنه يعطى أجر مثله، ولا يقضى على المستأجر بالأجرة التي وقع عليها العقد؛ لأنه عقد فاسد؛ فكان للأجير أجرة مثله، لا ما وقع الاتفاق عليه.
” وفي فتاوى أبي الليث : أعطى رجلاً درهمين ليعمل له يومين فعمل له يوماً واحداً وامتنع عن العمل في اليوم الثاني، فإن كان سمى له عملاً فالإجارة جائزة ويجبر على العمل، وإن لم يعمل حتى مضى اليوم الثاني لا يطالب بالعمل، وإن كان سمى له العمل إلا أنه قال: يومين من الأيام فالإجارة فاسدة لجهالة الوقت وله أجر مثله إن عمل”. نقله في “المحيط البرهاني (7/410)، ونحوه في “الفتاوى العالمكيرية” (4/416). وينظر للفائدة: “التهذيب في الفقه” – الشافعي – ، للبغوي (4/435-436).
ولم نقف في كلام الفقهاء على إلزامك بتعويض عن الضرر الذي قد يلحق المستأجر، لكن إن كان الترك بلا عذر أثمت، كما تقدم، وللمستأجر أن يرفع الأمر إلى الحاكم، أو جهة الاختصاص، لإلزام العمل بإكمال العمل، على ما وقع عليه العقد الصحيح.
ثالثا:
إذا كان الاتفاق على العمل بأجرة شهرية مدةً غير محددة، فلا حرج عليك في إنهاء العقد في نهاية الشهر؛ لأن الإجارة حينئذ تعتبر مشاهرة، فلك إنهاؤها نهاية الشهر.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة