تغضب زوجها فهل ينقص أجر صومها؟
السؤال: 50763
هل إغضابي لزوجي ينقص من أجر صيامي؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين قائمة على حسن العشرة ،
والمودة والرحمة .
قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/21
.
وقال : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19
.
وقال : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
البقرة/228
وعلى هذا فينبغي لكل واحد من الزوجين أن يكون حريصاً على إرضاء
الآخر ، وعدم فعل ما يغضبه أو يؤذيه .
وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال : أَقَامَتْ أُمُّ
صَالِحٍ (زوجته) مَعِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا اخْتَلَفْت أَنَا وَهِيَ فِي
كَلِمَةٍ !
وقد شرع الله تعالى للزوجين كلَّ ما يجلب المحبة والمودة بينهما
ويقويها ، ونهاهما عن كل ما يضاد ذلك .
ولو علم الزوجان هذه القاعدة الشرعية في كيفية معاملة الزوجين
أحدهما للآخر ، لاستقامت الحياة ، وكانت كما أرادها الله عز وجل سكنا ومودة ورحمة .
فكل واحد من الزوجين مأمور شرعا بكل ما يجلب المحبة ويقويها ،
ومنهي عما يضاد ذلك .
حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عن كثرة الصلاة والصيام
إذا كان ذلك يضيع حق أهله
روى البخاري (1153) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قال لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ ؟ قُلْتُ : إِنِّي
أَفْعَلُ ذَلِكَ . قَالَ : فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ ،
وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا ، وَلأَهْلِكَ حَقًّا ، فَصُمْ
وَأَفْطِرْ ، وَقُمْ وَنَمْ .
قوله : ( هَجَمَتْ عَيْنُكَ ) أي غارت أو ضعفت لكثرة السهر .
قوله : (نَفِهَتْ) أي كَلَّت .
ثانياً :
الصائم مأمور بحسن الخلق ، حتى أمره النبي صلى الله عليه وسلم
إذا قاتله أحد أو سبه أن لا يرد بالمثل ، وإنما يصبر ويكف نفسه ، ويقول : إني صائم
.
روى البخاري (1894) ومسلم (1151) عن أبي هرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ
شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ ) .
قال النووي :
(الرَّفَث) هُوَ السُّخْف وَفَاحِش الْكَلام . . . وَالْجَهْل
قَرِيب مِنْ الرَّفَث , وَهُوَ خِلاف الْحِكْمَة وَخِلاف الصَّوَاب , مِنْ الْقَوْل
وَالْفِعْل .
وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل
وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ , بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله
فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ ”
انتهى باختصار .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الصيام من الأكل والشرب ، إنما الصيام من اللغو
والرفث ، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إني صائم ، إني صائم ) . صححه
الألباني في صحيح الجامع (5376) .
واللغو هو الكلام الباطل . وقيل : ما لا فائدة فيه .
وروى البخاري (6057) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ
الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ
طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) .
قال الحافظ :
” َاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ تَنْقُصُ
الصَّوْم . . .
قال السُّبْكِيّ الْكَبِير : ذكر هذه الأشياء في الحديث ينبهنا
عَلَى أَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : زِيَادَة قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى غَيْرِهَا
.
وَالثَّانِي : الْبَحْث عَلَى سَلامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا ,
وَأَنَّ سَلامَتَهُ مِنْهَا صِفَة كَمَالِ فِيهِ .
وَقُوَّة الْكَلامِ تَقْتَضِي أَنْ يُقَبَّحَ ذَلِكَ لأَجْلِ
الصَّوْمِ , فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلامَةِ عَنْهَا .
قَالَ : فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ ” انتهى من فتح الباري بتصرف واختصار
.
ثالثاً :
حق الزوج على زوجته عظيم ، قال الله تعالى : ( وَلِلرِّجَالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228 .
وإن كان غضبه بسبب امتناعها عن فراشه ، كان إثمها أشد وأعظم ؛
لما روى ابن خزيمة في صحيحه عن عطاء بن دينار الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : ( ثلاثة لا تقبل منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رؤوسهم . .
ذكر منهم : وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه ) . والحديث صححه
الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (485) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَات
غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) رواه
البخاري (3237) ، ومسلم (1436) .
وقد سبق في جواب السؤال (50063)
بيان أن المعاصي تنقص ثواب الصوم ، وقد تكثر المعاصي حتى تزيل ثواب الصيام بالكلية
.
وإذا قصر أحد الزوجين في حقوق الآخر أو أغضبه كان ذلك سببا لنقص
صيامه .
هذا ما لم يكن غضبه بغير حق ، فإن بعض الأزواج يغضبون بغير حق ،
وبعضهم يغضب لاستقامة المرأة وصلاحها ، فيكون مبطلا في غضبه ، نسأل الله العافية .
والله تعالى أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة