ما الدليل الصريح على عصمة الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام؟
ما الدليل على عصمة الأنبياء والرسل؟
السؤال: 507692
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
الأنبياء معصومون فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، ومن الكبائر بعد النبوة، وقد تقع منهم الصغائر أو الخطأ الاجتهادي، ولكن لا يُقرون عليه فيأتيهم التنبيه من الله لاستدراك الأمر والتوبة عليهم.
وقد أجمعت الأمة على عصمة الأنبياء من الخطأ في التبليغ ومن الكبائر . انظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (2 /123و171) و"مجموع الفتاوى" (10/289)، و"تفسير القرطبي" (1/308).
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
"فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً، وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه" انتهى "مجموع الفتاوى" (7/18).
وقال الشَّوكانيُّ: (ذهب الأكثَرُ من أهلِ العِلْمِ إلى عصمةِ الأنبياءِ بعد النُّبُوَّةِ مِنَ الكبائِرِ، وقد حكى القاضي أبو بكرٍ إجماعَ المُسلِمين على ذلك. وكذا حكاه ابنُ الحاجِبِ وغيرُه من متأخِّري الأصوليِّين" انتهى من "إرشاد الفحول" (1/98).
ثانياً:
الأدلة على عصمتهم في تبليغ الرسالة ثابتة بالنص والعقل.
أما الأدلة من النص الذي هي مستند الإجماع السابق ذكره فمنها:
قوله تعالى:
يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة: 67]
قال الشنقيطي رحمه الله:
"واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما يتعلق بالتبليغ.
واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ اختلافًا مشهورًا معروفًا في الأصول. ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يبلغوا بذلك درجة أعلا من درجة من لم يقع منه ذلك" "أضواء البيان" (4/ 650).
ومن الأدلة على ذلك أيضا: قول الله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) الحاقة/44-47.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وَلِهَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْمِلَلِ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَكْذِبُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يُقِرُّ كَاذِبًا عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ – لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ – ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ – فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" انتهى من "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (1/ 446).
وقال الله تعالى:
(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)آل عمران/79.
قال أبو منصور الماتريدي، رحمه الله: " وفي الآية دليل عصمة الرسل والأنبياء عليهم السلام عن الكفر بقوله: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ)، وخاصّة في عصمة رسولنا – مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، وقال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا): شرَطَ في المؤمنين اكتسابَ ما يستوجبون به الأذى، ولم يشترط في النبي صلى الله عليه وسلم؛ دل أنه لا يكون منه اكتسابُ ما يستوجب به الأذى، ويكون من المؤمنين بشرطه فيهم ذلك، واللَّه أعلم". انتهى، من "تأويلات أهل السنة" (2/414).
وقال تعالى: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)التكوير/24.
قال الشوكاني رحمه الله: "أي: هو ثقة فيما يؤدي عن الله سبحانه.
وقيل: بضنين: ببخيل، أي: لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التبليغ" انتهى من "فتح القدير" (5/ 474).
ثالثا:
وأما الدليل العقلي على عصمة الأنبياء، فمن عدة جهات أبرزها:
1- أنّ الأمر لا يستقيم إذا أخطأ الرسول في التبليغ عن الله، إذ ليس لذلك إلا إحدى نتيجتين، كلتاهما خارجة عن التصور:
الأولى: إما أن يسكتَ الوحيُ عن تصحيح الخطأ، ومعنى ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يبلغ الناس أمراً معيناً، ثم رضي جل جلاله أن يبلّغَ عنه غير ذلك الأمرَ، وهذا لا يجوز في حق الله تبارك وتعالى.
والثانية: إمّا أن يتنزلَ الوحي بالتصحيح، فيعودُ الرسولُ فيقول للناس: إنّ الله أمرني أن أبلّغكم كذا وكذا، ولكني أخطأتُ في التبليغ، وإليكم الان تصحيح البلاغ، وينتجُ عن ذلك لا محالة أن يفقدَ الناسُ الثقةَ فيما يبلغهم إياه الرسول عن ربه، لأنّ احتمالَ الخطأ في التبليغ قائمٌ في أذهانهم.
وكلا هذين الأمرين خارجٌ عن التصور، لأنّه يتنافى مع الحق الذي يتنزل به الوحي مع التوقير والتعظيم اللازمين لكلام الله سبحانه وتعالى، مع وجوب الطاعة للرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
2- أن خطأ الأنبياء في تبليغ ما أوحي إليهم لا يستقيمُ؛ لأنّ القدوةَ تنتفي يومئذٍ، ويضطرِبُ الأمرُ في نفوس الأتباع، الذين اتبعوا الرسلَ ، فلا يعرفون أيَّ طريق يسلكون، وفضلاً عن ذلك تذهب جدية الأمر من مشاعرهم، فالمفروض في الشخص المؤمن أن يجتهد في اتباع ما أنزل الله قدر جهده، ليكون أقرب إلى الصواب، فإذا كان القدوة أمامه ـ وهو الرسول ـ يخطئ في التنفيذ ، فسوف يحسُّ هو أنه في حِلّ من أن يخطئ ، وليس عليه أن يتحرّى الصوابَ، فهو ليس أفضل من الرسول المؤيد بالوحي ، وعندئذٍ ينفرط عقد الأمر ، ولا يعود للدين ما أراده الله من تعظيم في نفوس المؤمنين. انظر: "الحاجة إلى الرسل" (ص28 بترقيم الشاملة).
رابعًا:
اختلف أهل العلم في وقوع الصغائر منهم، والجمهور على وقوعه منهم، وأنهم لا يقرون عليها ويهدون للتوبة والاستغفار منها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر: هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف" انتهى من " مجموع الفتاوى" (4/319).
وقد سبق في الموقع بيان تفاصيل كثيرة في مسألة عصمة الأنبياء، في أجوبة عديدة في الموقع: فينظر للفائدة: (42216) ورقم (311316)، ورقم (7208).
وإنما تم التركيز في هذه الإجابة على الجزئية محل السؤال حول الأدلة على عصمة الأنبياء.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة