سؤالي الأول أرجو تفصيله من باب تأصيل المسألة، وقياس السؤال الثاني عليه.
١. هل لو طلق رجل امرأة انقطع حيضها ففارقها بعد ثلاثة أشهر، ثم حاضت بعد مدة، فهل تكون على ذمته في عدتها؟ أم إن لها مدة أقصاها معلوم؟ وهل هذه المدة المعلومة الحدود -إن وجدت- وهي من باب الاحتياط لعدم الحمل ـ قرأت في فتوى أنها سنة ـ تتغير عند اليقين من عدم الحمل من خلال الكشف الطبي، أو السبق بحيضة لم يكن وراءها جماع؟
٢. إذا طلق الرجل امرأته فاستعملت دواء يؤخر العدة، وصارت تؤخرها طمعا بأن يراجعها قبل انقضاء عدتها، وهي غير حامل قطعا؟ وهل عدتها ثلاثة أشهر قياسا على من لم تحض أو انقطع حيضها؟ مع العلم بأن المرأة تفعل ذلك قاصدة؟ أرجو التفصيل، وذكر أقوال العلماء.
أولاً:
عدة المطلقة المدخول بها التي تحيض: ثلاثة قروء؛ لقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ وقد اتفق الفقهاء على أن المرأة التي تحيض: عدتها ثلاثة قروء؛ للآية السابقة.
والقرء هو الحيض على القول الراجح، فمتى انقضت حيضتها الثالثة، واغتسلت منها: فقد انتهت عدتها. انظر: "المغني" لابن قدامة (11/ 199-200).
وأما المطلقة التي لم يدخل بها الزوج: فليس عليها عدة طلاق، لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)الأحزاب/ 49.
وأما المطلقة الحامل: فعدتها إلى وضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)الطلاق/ 4.
أما إذا كانت المطلقة صغيرة لا تحيض، أو كبيرة آيسة من الحيض: فعدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ)الطلاق/4.
ثانياً:
إذا ارتفع الحيض عن المطلقة المعتدة -التي ليست بالصغيرة ولا الآيسة -، لسبب فإن هذه المسألة لها صور على النحو التالي:
1. إذا ارتفع الحيض عن المرأة التي في زمن الحيض لسبب يُعلم أنه لا يعود الحيض إليها مرة أخرى، مثل أن يُستأصل رحمها، أو يغلب على الظن أنه لا يعود، مثل من لديها اضطراب مزمن بالهرمونات، فهذه كالآيسة تعتد بثلاثة أشهر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"فإن كانت تعلم أنه لن يعود: فهذه تعتد ثلاثة أشهر؛ لأنها آيسة، مثل لو علمت أن ارتفاع الحيض لعملية استئصال الرحم أو المبايض، لدخولها في قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر} [الطلاق: 4]" انتهى باختصار من "الشرح الممتع" (13/ 370).
وقال: " القول الراجح في هذه المسألة: إذا علِمت سبب الرفع، وغلب على ظنها أنه لن يعود الحيض: فهنا نقول تعتد عدة آيسة؛ أي ثلاثة أشهر، وتنتهي ... ؛ إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن" انتهى
2. إذا ارتفع حيضها وهي تعلم ما رفعه، وأنه سيعود، -مثل: الرضاع - فإنها تنتظر حتى يزول هذا الرافع، ويعود الحيض؛ فتعتد به. "الشرح الممتع" (13/ 369).
3. إذا ارتفع حيضها ولا تعلم ما الذي رفعه، فإن العلماء يقولون تعتد سنة كاملة، تسعة أشهر للحمل، وثلاثة أشهر للعدة. فإن عاد الحيض خلال السنة فإنها تعتد بالحيض.
قال ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا على أن المرأة الصبية، أو البالغ المطلقة التي لم تحض: إن حاضت قبل انقضاء الشهر الثالث بيوم، أو أقل من يوم؛ أن عليها استئناف العدة بالحيض" انتهى من "الإجماع" (ص100).
وقال ابن قدامة رحمه الله: " ذات القروء إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، فعدتها سنة، تسعة أشهر تتربص فيها، ليعلم براءتها من الحمل؛ لأنها غالب مدته، ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر...
فإن حاضت قبل انقضاء السنة، ولو بلحظة، لزمها الانتقال إلى القروء؛ لأنها الأصل، فبطل حكم البدل" انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (3/199).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "من ارتفع حيضها ولم تدر ما سببه فعدتها سنة، تسعة أشهر للحمل، وثلاثة للعدة»:
يعني: امرأة من ذوات الحيض، عمرها ثلاثون سنة، ما بلغت سن اليأس، ارتفع حيضها، فطلقها زوجها، وهي في هذه الحال، فتعتد سنة؛ لأن ذلك هو الذي روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقضى به بين الصحابة رضي الله عنه، ولم ينكَر عليه. هذا من حيث الاستدلال بالأثر.
أما النظر: فلاحتمال أنها حامل تعتد تسعة أشهر؛ لأن ذلك غالب الحمل، ولاحتمال أنها آيسة تعتد ثلاثة أشهر؛ لأن عدة الآيسة، والتي لم تحض: ثلاثة أشهر، فتعتد اثني عشر شهرا من فراق زوجها لها، وهذا من باب الاحتياط" انتهى من "الشرح الممتع" (13/262).
والقول الآخر بأنه إذا قرر الأطباء خلو الرحم من الحمل: فإنها تعتد بثلاثة أشهر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"فإذا قال قائل: بعد تقدم الطب، ألا يمكن أن يكشف عليها؟
الجواب: بلى، فإذا كُشِف عليها، وعلمنا أن رحمها خال، فحينئذ تعتد بالأشهر، لكن الأولى اتباع السلف في هذه المسألة، وهو أحوط أن تعتد بسنة كاملة" انتهى من "الشرح الممتع" (13/263).
ثالثاً:
إذا تعمدت المعتدة رفع الحيض بالأدوية لتأخير العدة:
فإن كان فيه إضرار بالزوج، ولم يأذن: لم يجز.
ووجه الإضرار أنه تلزمه النفقة حال العدة، ويحبس عن الزواج إن كان لديه أربع زوجات.
وإن لم يكن فيه ضرر عليه: جاز، وتكون العدة بالحيض بعد نزوله.
وقد نص الفقهاء على تعلق العدة بالحيض، ولو كان إنزاله أو رفعه بدواء.
قال ابن مفلح: "ولها شرب دواء مباح لقطع الحيض، نص عليه. وقال القاضي: بإذن زوج" انتهى من "الفروع" (1/ 392).
وقال الرحيباني رحمه الله: "ولها شربه -أي الدواء- لحصول حيض، إذ الأصل الحل حتى يرد التحريم، ولم يرد.
وتنقضي عدتها بالحيض الحاصل بشربها الدواء". انتهى من "مطالب أولي النهى" (1/ 268).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" وأما استعمال ما يجلب الحيض فجائز بشرطين:
الأول: ألا تتحيل به على إسقاط واجب، مثل أن تستعمله قرب رمضان، من أجل أن تفطر أو لتسقط به الصلاة، ونحو ذلك.
الثاني: أن يكون ذلك بإذن الزوج ، لأن حصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع ، فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه.
وإن كانت مطلقة ، فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة، إن كان له رجعة " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/239).
والتأجيل في الضرر مثل التعجيل، وقد يكون أبلغ.
قال الشيخ سليمان الماجد في مسألة رفع الحيض أو إنزاله للتعجيل بانقضاء عدة الطلاق، أو تطويلها:
"الراجح أن هذا لا يجوز؛ لكونه متعلقا بحق الزوج في الرجعة، وفي إنزالها عن موعدها تفويت لحقه في ذلك، مع ما في ذلك من خداعه.
وكذلك ما في منع نزوله من تطويل مدة النفقة.
ولكن لو رضي الزوج بذلك: فالقواعد والقياس تقتضي جواز ذلك"، انتهى
وعليه فالأحوال
1-أن يكون تأخير نزول الحيض برضى الزوج، فلا حرج في ذلك، ولعله أن يراجع امرأته.
2-أن يكون بغير رضاه، أو بغير إذنه، ولا ضرر عليه، لإسقاطها النفقة، وليس عنده أربع نسوة، فلا حرج عليها.
3-أن يكون بغير رضاه أو بغير إذنه، وطالبت بالنفقة، فيكون لها النفقة في المدة المعتادة لثلاث حيضات، ثم لا نفقة لها فيما زاد على ذلك، وتستمر في العدة إلى تحيض ثلاث حيض.
والله أعلم.