0 / 0
24/شعبان/1446 الموافق 23/فبراير/2025

ما معنى وصف القرآن بـ (الكريم)، ووصف وجه الله بالكريم؟

السؤال: 515431

أريد أن استفسر عن معنى لفظ الكريم عند قول "القرآن الكريم"، وعند قول "وبوجهِه الكريم" في حديث "أعوذُ باللهِ العظيمِ وبوجهِه الكريمِ وسلطانِه القديمِ من الشيطانِ الرجيمِ"، وهل "الكريم" تُنسب لله تعالى أم لوجهه سبحانه؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

(الكريم) من أسماء الله الحسنى الثابتة له سبحانه.

و(الكرم) صفة من صفات الله العليا، وصف به نفسه، وتمدح بها سبحانه، ووصفه به نبيه، صلى الله عليه وسلم.

قال الله عز وجل: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ) الانفطار/6.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ‌الْحَلِيمُ ‌الْكَرِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ). رواه أحمد (3354) وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".

والقرآن كذلك: كتاب الله الكريم، وقد ثبت صف القرآن بأنه كريم، في قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الواقعة/77

وجاء وصف وجه الله تعالى بأنه وجه كريم، فيما روى أبو داود (466) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ". وصححه الألباني.

ولا اختلاف بين أهل الإسلام قاطبة في شيء من ذلك؛ فإنهم لا يختلفون في وصف الله جل جلاله بالكرم، بل له من الكرم غايته، وأعلاه، وأسناه.

ولا يختلفون في وصف وجه الله بالكرم، ولا وصف كتابه بـ"الكريم"؛ بل هذا معروف عند عامتهم، وخاصتهم.

قال الإمام الطبري في تأويل قوله تعالى: " (ومن كفر فإن ربي غني كريم) النمل/40: " يقول: ومن كفر نعمه وإحسانه إليه، وفضله عليه لنفسه ظلم، وحظها بخس، والله غني عن شكره، لا حاجة به إليه، لا يضره كفر من كفر به من خلقه، كريم، ‌ومن ‌كرمه ‌إفضاله على من يكفر نعمه، ويجعلها وصلة يتوصل بها إلى معاصيه". انتهى، من "تفسير الطبري" (18/ 75).

قال البغوي رحمه الله: " عَزِيزٌ مَكْرَمٌ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ المعاني: الكريم الذين مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْطِيَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ" انتهى من "تفسير البغوي" (8/ 22).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: "والكريم: اسم جامع لما يحمد، وذلك أن فيه البيان والهُدى والحكمة، وهو معظّم عند الله عزّ وجلّ" انتهى من "زاد المسير" (4/ 228).

وقال القرطبي رحمه الله: " بل هو قرآن كريم محمود، جعله الله تعالى معجزة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو كريم على المؤمنين، لأنه كلام ربهم، وشفاء صدورهم، كريم على أهل السماء، لأنه تنزيل ربهم ووحيه. وقيل: (كريم) أي غير مخلوق. وقيل: (كريم) لما فيه من كريم الأخلاق ومعاني الأمور. وقيل: لأنه يكرم حافظه، ويعظم قارئه" انتهى من "تفسير القرطبي" (17/ 224)

فالقرآن كلام الله وهو كريم شريف، ووجه سبحانه كريم شريف، والكلام والوجه صفتان من صفات الله تعالى.

وكذلك ذاته سبحانه، أكريم الذوات وأشرفها، فهو الكريم ذاتا وصفة.

قال الإمام أبو بكر ابن العربي، رحمه الله:

"أما إذا قلنا: إن الكريم هو الكثير الخير؛ فمن أكثر خيرا من الله؟ لعموم قدرته، وسعة عطائه. قال سبحانه: ﵟوَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ 21) الحجر/21.

وأما إن قلنا: إنه الدائم الخير؛ فذاك بالحقيقة لله. فإن كل شيء ينقطع؛ إلا الله، وإحسانه، فإنه دائم متصل، في الدنيا والآخرة.

وأما إذا قلنا: إنه الذي يسهُل خيرُه، ويقرُب تناول ما عنده؛ فهو الله بالحقيقة، فإنه ليس بينه وبين العبد حجاب، وهو قريب لمن استجاب، كما قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي) البقرة/186.

وأما إن قلنا: إن الكريم هو الذي له قدر عظيم، وخطر كبير؛ فليس لأحد قدرٌ بالحقيقة إلا لله تعالى؛ إذ الكل له، خلقا وملكا، إليه يضاف كل شيء، ومن شرفه شرف كل شيء، وكرم كل كريم من كرمه.

وأما إن قلنا: إن الكريم هو المنزه عن النقائص والآفات، فهو الله وحده بالحقيقة، لأنه تقدس عن النقائص والآفات وحده، على الإطلاق والتمام والكمال، من كل وجه، وفي كل حال. بخلاف الخلق، فإنهم، وإن كرموا من وجه، سفلوا من وجه آخر، كما قال تعالى: (لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ 4 ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ) التين/ 4-5.

وأما أن قلنا: إن الكريم بمعنى: المكرم؛ فمن المكرم إلا الله تعالى؟ فمن أكرمه الله، أكرم. ومن أهانه، أهين...

وأما إن قلنا: إن الكريم هو الذي لا يتوقع عوضا؛ فليس إلا الله؛ لأن كل شيء خلقه وملكه، فما يعطي له، وما يأخذ له، وما يعطي كلُّ معطٍ، أو يعمل كلُّ عامل، فبقدرته، وإرادته، والعوض والمعوَّض: خلق له.

وأما إن قلنا: إن الكريم هو الذي يعطي لغير سبب، فهو الله وحده، لأنه بدأ الخلق بالنعم، وختم أحوالهم بالنعم. وإن جاء في الأخبار أنه أعطى كذا، بكذا؛ فالعطاء منه، والسبب، جميعا. فالكل عطاء بغير سبب .....

وأما إن قلنا: إنه الذي إذا وعد وفى؛ فإن كل من يعد، يمكن أن يفي، ويمكن أن يقطع به عذر، ويحول بينه وبين الوفاء أمر؛ والباري: صادق الوعد، لعموم قدرته، وعظيم ملكه. وأنه لا يُتصور أن يقطع به قاطع، ويحول بينه وبينه مانع..". انتهى، باختصار من "الأمد الأقصى" (1/456-460).

والله أعلم.

 

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
ما معنى وصف القرآن بـ (الكريم)، ووصف وجه الله بالكريم؟ - الإسلام سؤال وجواب