ما صحة هذا القول: “وسمع موسى صرير القلم بالكلمات العشرة، وكان ذلك في أول يوم من ذي القعدة…” ؟
هل سمع موسى عليه السلام صرير القلم؟
السؤال: 519646
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
هذا الخبر، بهذه الصيغة كاملة: لم نقف له على إسناد، وإنما نسبه بعض المفسرين إلى كلام وهب.
قال البغوي رحمه الله تعالى:
” وقال وهب: ” أَمَرَهُ اللَّهُ بِقَطْعِ الْأَلْوَاحِ مِنْ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيَّنَهَا اللَّهُ لَهُ فَقَطَعَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ شَقَّقَهَا بِأُصْبُعِهِ، وَسَمِعَ مُوسَى صَرِيرَ الْقَلَمِ بِالْكَلِمَاتِ الْعَشَرَةِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ … ” انتهى. “تفسير البغوي” (3 / 281).
وسبقه إلى ذلك الثعلبي في “الكشف والبيان” (12 / 523)، من قول وهب، وبلا إسناد إليه. ومنه ينقل البغوي، عادةً.
ووهب هو وهب بن منبه، وكان يحدث كثيرا بأخبار أهل الكتاب، كما قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” وروايته للمسند قليلة، وإنّما غزارة علمه في الإسرائيليّات، ومن صحائف أهل الكتاب ” انتهى. “سير أعلام النبلاء” (4 / 545).
ثانيا:
ثبت أنّ الله تعالى كتب التوراة لموسى عليه السلام بيده، فهذا ورد في حديث أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى. ثَلاَثًا ) رواه البخاري (6614) ومسلم (2652)، وفي رواية عنده ( كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ ) ورواه أبو داود (4701)، وابن ماجه (80) وغيرهما بلفظ: ( وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ ).
ثالثا:
وأما سماع موسى عليه السلام سمع صرير أو صريف القلم:
فقد رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (17 / 505)، وعبد الله ابن الإمام أحمد في “السنة” (2 / 532)، والحاكم في “المستدرك” (2 / 438)، وغيرهم، بأسانيدهم: عَنْ سُفْيَان، عَنْ عَطَاء بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا )، قَالَ: ( سَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ حين كَتَبَ في اللَّوْح )، واللفظ للحاكم، وقال:
” هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه”. ووافقه الذهبي.
وهذا إسناده رواته ثقات، إلا أن فيه عطاء بن السائب وقد وُثِّق، لكن لما كبر ساء حفظه وتغيّر.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” عطاء بن السائب الثقفي الكوفي، أحد الاعلام على لين فيه… ثقة ساء حفظه بآخره، قال أبو حاتم: سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير. وقال أحمد: ثقة رجل صالح يختم القرآن كل ليلة ” انتهى. “الكاشف” (2 / 22).
لكن سفيان سمع منه قبل أن يتغير حفظه.
قال العلائي رحمه الله تعالى:
” عطاء بن السائب الثقفي الكوفي:
أحد التابعين مشهور، أخرج له البخاري حديثا واحدا مقرونا بآخر، ولم يخرج له مسلم وروى عنه سفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وخلق.
وثقه أحمد بن حنبل مطلقا، وأحمد بن عبد الله العجلي، وقال: من سمع منه بأخرة فهو مضطرب الحديث …
وقال أبو حاتم: محله الصدق قبل أن يختلط، ثم تغير بأخرة.
وقال يحيى بن سعيد القطان: حديثه ضعيف إلا ما كان عن شعبة وسفيان يعني الثوري … ” انتهى. “المختلطين” (ص 82 – 83).
وينظر أيضا للفائدة: “سنن سعيد بن منصور” ط دار الألوكة (6/229-230) حاشية التحيقي.
الخلاصة:
هذا الخبر بهذه الصيغة ليس له إسناد إلى وهب، ووهب كان يخبر بأخبار أهل الكتاب.
لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خط لموسى عليه السلام على الألواح بيده.
وصح، من قول ابن عباس رضي الله عنه: أن الله تعالى أدنى موسى عليه السلام، سمع صريف القلم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب