0 / 0

رواية البخاري لحديث عمر في سبب نزول سورة الفتح، هل هي من المرسل؟

السؤال: 526893

يوجد في “صحيح البخاري” حديث بسند: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه: ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا ….”. فكيف روى أسلم عن النبي مباشرة في هذا الحديث؟ وهل يعتبر هذا الحديث منقطعا؟

ملخص الجواب

هذا الخبر عند الإمام البخاري وإن كانت صورته صورة الارسال؛ إلا أنه قد قام ما يرجح اتصاله من سياق وطرق واختصاص أسلم بعمر رضي الله عنه وملازمته له لأنه كان مولاه، فقد يكون الإمام البخاري قد لاحظ كل هذا أو بعضه لذا أدرجه في “الجامع الصحيح المسند”.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى البخاري في مواضع من “الصحيح” (4177)، (4833)، (5012): عن عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُفَ، وعَبْد اللَّهِ بْن مَسْلَمَةَ، وإِسْمَاعِيل، عن مالِك، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عن أَبِيهِ:

” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عن شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَقالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا عُمَرُ؛ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ؟! قالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمامَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَما نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صارِخًا يَصْرُخُ بِي، قالَ: فَقُلْتُ: لقد خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقالَ:

لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} .

ووالد زيد بن أسلم راوي الخبر، هو أسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مخضرم، لم يقدم المدينة إلا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه.

قال البخاري رحمه الله تعالى:

” أسلم مولى عمر بن الخطّاب القرشيّ العدوي المدنيّ، أبو خالد: كان من سبي اليمن، سمع عمر.

روى عنه: القاسم بن محمّد، وزيد ابن أسلم …

وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ( بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ، فَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَابْتَاعَ فِيها أَسْلَمَ )” انتهى “التاريخ الكبير” (2 / 23).

فهو بهذا لم يدرك زمن الحادثة، ولم يأت بصيغة من الصيغ التحمل التي يفهم منها أنه أخذ هذا الخبر عن عمر رضي الله عنه، فلم يذكر صيغة سماع، ولا عنعنة، فيكون ظاهر هذا الخبر الارسال والانقطاع.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” قوله: (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ) هذا السّياق صورته الإرسال، لأنّ أسلم لم يدرك زمان هذه القصّة ” انتهى. “فتح الباري” (8 / 583).

ولهذا تتبعه الدارقطني، حيث قال رحمه الله تعالى:

” وأخرج البخاري عن القعنبي وابن يوسف وإسماعيل: عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: ( أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يسير ومعه عمر، فنزلت: ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ )؛ مرسلا.

ووصله: قراد، وابن عثمة، ويزيد بن أبي حكيم، والخريبي” انتهى “الإلزامات والتتبع” (ص266).

لكن السند، وإن كانت صورته صورة المرسل؛ إلا أن هناك ما يدل على اتصاله، من جهتين:

الأولى: أن في عبارة الخبر نفسها، ما يدل على أن عمر هو الذي حدّث به، وأسلم كان مولاه، وملازما له، فيكون قد أخذه عنه.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

هذا الحديث عندنا على الاتّصال؛ لأنّ أسلم رواه عن عمر، وسماع أسلم من مولاه عمر رضي الله عنه: صحيح لا ريب فيه ” انتهى “التمهيد” (3/24).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

‌‌ قال الدارقطني: أخرج البخاري، عن القعنبي وعبد الله بن يوسف وغيرهما، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير وعمر معه … ) الحديث في نزول سورة الفتح؛ مرسلا. وقد وصله قراد وغيره عن مالك.

قلت: بل ظاهر رواية البخاري الوصل، فإن أوله وإن كان صورته صورة المرسل، فإن بعده ما يصرح بأن الحديث لأسلم عن عمر، ففيه بعد قوله: ( فَسَأَلَهُ عُمَرُ عن شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ )، ( قالَ عُمَرُ: نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ؟! قالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمامَ الناس، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ )، وساق الحديث على هذه الصورة، حاكيا لمعظم القصة عن عمر؛ فكيف يكون مرسلا؟! هذا من العجب، والله أعلم.” انتهى “هدي الساري” (ص373).

والثانية: أن هذا الخبر، وإن رواه عدد من أصحاب الإمام مالك، ومن رواة الموطأ عنه، على صورة الارسال؛ فقد رواه جماعة آخرون عن الإمام مالك متصل الإسناد.

قال الدارقطني رحمه الله تعالى، وقد سُئل عن هذا الحديث:

” يرويه عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر متّصلًا، مسندًا: مُحَمَّدُ بْنُ خالد بن عثمة، وَأَبُو نُوحٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَرْبِ بْنِ سُلَيْمٍ الْمَكِّيُّ، هؤلاء كلّهم أسندوه عن مالك… ” انتهى “علل الدارقطني” (2/146).

فرواية مُحَمَّد بْن خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ: عند البزار (1/388)، وعند الترمذي (3262): عن مُحَمَّد بْن خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: ” كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ …” الحديث.

وقال الترمذي: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ “.

ورواية أَبي نُوحٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن غَزْوَانَ قُرَاد: عند الإمام أحمد في “المسند” (1/336)، وعند البزار (1/389)، وعند النسائي في “السنن الكبرى” (10/260): عن أَبي نُوحٍ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن غَزْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: ” كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ … “.

ورواية يَزِيد بْن أَبِي حَكِيمٍ: عند الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (6/386): عن يَزِيد بْن أَبِي حَكِيمٍ العدني، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِك بن أنس، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: ” كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سير فتأخرت …”.

ورواية مُحَمَّد بْن حَرْبِ: عند ابن عبد البر في “التمهيد” (3/24): عن مُحَمَّد بْن حَرْبِ، عن مالكِ بن أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ: ( أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَسيرُ في بعضِ أسفارِه … ) الحديث.

فتكون رواية الاتصال محفوظة.

وأما كون جماعة من أصحاب الإمام مالك رووه عنه مرسلا؛ فإنه يعرف عن الإمام مالك أنه كان يحتاط في سوق الأسانيد، فيرسل المسند أحيانا، وقد نص على هذا عدد من أهل العلم بالحديث.

كقول الدارقطني رحمه الله تعالى:

“ومن عادة مالك: إرسال الأحاديث، وإسقاط رجل” انتهى “علل الدارقطني” (6/63).

وكقول ابن حبان في سياق كلامه عن رواية للإمام مالك اختلف في إسنادها أصحابه، فقال رحمه الله تعالى:

” رفع هذا الخبر عن مالك أربعة أنفس: الماجشون وأبو عاصم، ويحيى بن أبي قتيلة، وأشهب بن عبد العزيز، وأرسله عن مالك سائر أصحابه.

وهذه كانت عادة لمالك، يرفع في الأحايين الأخبار، ويوقفها مرارا، ويرسلها مرّة، ويسندها أخرى، على حسب نشاطه …” انتهى “الإحسان” (11/591).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android