إذا لم ينفق الوالد الموسر على ابنه المعسر المعيل، فهل يصبح هذا المبلغ الذي كان يجب على الوالد أن ينفقه دينا على والده، وبالتالي يُقتطَع من الميراث بعد وفاة والده؟
وتفصيل المسألة كالتالي: تُوفي والد وترك زوجة وأبناء كبار، وقبل الوفاة بثلاث سنوات تعرض أحد أبنائه لمشكلة جعلت هذا الابن غير قادر على الكسب، وهذا الابن مغترب ومعه زوجته وأبناؤه، وقد أبدى والد الابن رغبته في الإنفاق على أسرة ابنه المعسر، ولكن بشرط أن تترك أسرة الابن البلد التي يقيمون بها، وأن يعودوا ليعيشوا بوطنهم، وذلك لارتفاع تكلفة المعيشة في البلد التي يقيمون بها عن تكلفة المعيشة في وطنهم، ولكن الابن فضل الاستمرار في اغترابه ومعه أسرته إلى أن تنتهي مشكلته، ولقد توفي والد هذا الابن بعد ثلاث سنوات من بداية مشكلة الابن.
فهل يقوم الورثة باحتساب متوسط مبلغ الإنفاق الشهري على مستوى الأسرة في وطن الابن ووالده وليس بحسب البلد الذي يقيم فيه الابن؟ واقتطاع هذا المبلغ من الميراث باعتباره دين على والد الابن؟ أم لا يفعلون ذلك؟
إذا لم ينفق الأب على ابنه الفقير، هل تصبح دينا على الأب تؤخذ من تركته؟
السؤال: 527242
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
النفقة واجبة على الأب لأولاده الصغار، وكذا للبالغين القادرين على الكسب في مذهب أحمد إذا لم يكن معهم مال، خلافا للجمهور فلا يوجبون النفقة للابن البالغ القادر على الكسب.
قال في “الإنصاف” (9/ 289): “شمل قوله: “وأولاده وإن سفلوا” الأولاد الكبار الأصحاء الأقوياء إذا كانوا فقراء وهو صحيح. وهو من مفردات المذهب” انتهى.
وقال أبو حنيفة: ينفق على الغلام حتى يبلغ، فإذا بلغ صحيحا انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى تتزوج، ونحوه قال مالك. إلا أنه قال ينفق على النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن الأزواج.
وتجب النفقة عند الشافعية في حال عجز الوالد البالغ لزمانةٍ، أو مرض فقط، فإن كان صحيحا لم تجب نفقته.
وينظر: “المغني” (9/ 258).
فعلى قول جمهور الفقهاء لا يلزم الأب أن ينفق على ابنه البالغ المعسر، كما في السؤال.
ثم إن بقاء الابن في بلد الغربة يضاعف النفقة عليه، ولا يلزم الأب ذلك حتى لو قيل بأن النفقة واجبة عليه.
ولعله لو رجع إلى بلده، لاستغنى بما عنده، أو بما يأتيه، عن نفقة والده، فلم يلزمه نفقة له أصلا!!
ثانيا:
نفقة الأولاد تسقط بالتقادم، فلا تكون دينا على الأب أو الأم، خلافا لنفقة الزوجة، فإنها لا تسقط بمضي الزمن.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (41/ 91): ” اتفق الفقهاء على أن نفقة الأقارب تسقط بمضي الزمن، إلا إذا اعتبر دينا في الأحوال المنصوص عليها، لأنها وجبت سدا للخلة وكفاية للحاجة، وقد حصل ذلك في الماضي بدونها، بخلاف نفقة الزوجة، فسبب وجوبها الاحتباس، وتجب مع اليسار، فلا تسقط بسد الخلة فيما مضى” انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في “الكافي” (3/ 380): ” وتفارق نفقة القريب، نفقة الزوجة ، في أربعة أشياء :
أحدها : أن نفقة الزوجة تجب مع الإعسار، لأنها بدل ، فأشبهت الثمن في المبيع.
ونفقة القريب مواساة، فلا تجب إلا من الفاضل، لقول الله تعالى : (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو).
الثاني: أن نفقة الزوجة تجب للزمن الماضي، لما ذكرنا، ونفقه القريب لا تجب لما مضى، لأنها وجبت لإحياء النفس، وتَزْجِيةِ الحال؛ وقد حصل ذلك في الماضي بدونها .
الثالث : إذا دفع إلى الزوجة نفقة يومها ، أو كسوة عامها ، فمضت المدة ولم تتصرف فيها ، فعليه ما يجب للمدة الثانية. والقريب بخلاف ذلك .
والرابع: أنه إذا دفع إلى الزوجة ما يجب ليومها ، أو لعامها ، فسرق ، أو تلف، لم يلزمه عوضه. والقريب بخلافه ، لما ذكرنا” انتهى.
وقال النووي رحمه الله في منهاج الطالبين، ص266: ” وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زمنا أو صغيرا أو مجنونا … وتسقط بفواتها، ولا تصير دينا عليه إلا بفرض قاض، أو إذنه في اقتراض لغيبة أو منع” انتهى.
وقال الحطاب رحمه الله في مواهب الجليل (4/ 211): ” وتسقط نفقة القريب، سواء كان أبا أو ابنا، بمضي الزمن عن قريبه، فلو تحيَّل في الإنفاق، ثم أراد الرجوع: فليس له ذلك؛ لأنها مواساة لسد الخَلَّة، فإذا انسدت الخلة، زال الوجوب، وهذا بخلاف نفقة الزوجة؛ لأنها في معنى المعاوضة، فلا تسقط، وأما نفقة القريب فتسقط، إلا إذا كان القاضي قد فرضها، فلا تسقط ويرجع بها المنفق، ولو مضى زمنها، أو ينفق على القريب شخص غير متبرع” انتهى.
أي ينفق على القريب شخص غير متبرع، بعد حكم القاضي بالنفقة، كما يعلم من تتمة كلامه.
وقال المرغيناني رحمه الله في “الهداية” (2/ 294): ” (وإذا قضى القاضي للولد والوالدين وذوي الأرحام بالنفقة، فمضت مدة: سقطت)؛ لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة – حتى لا تجب مع اليسار – وقد حصلت [أي: كفاية الحاجة] بمضي المدة، بخلاف نفقة الزوجة إذا قضى بها القاضي؛ لأنها تجب مع يسارها، فلا تسقط بحصول الاستغناء فيما مضى.
قال: (إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة عليه) ؛لأن القاضي له ولاية عامة، فصار إذنه كأمر الغائب، فيصير دينا في ذمته؛ فلا تسقط بمضي المدة والله تعالى أعلم بالصواب” انتهى.
وعلى هذا؛ فلو قلنا بوجوب نفقة الأب على الابن هنا، فلم يفعل الأب، فإنها تسقط بمضي الزمن، ولا تصير دينا على الأب؛ لأنه لم يحكم بها قاض، ولم يأذن في الاستدانة لها قاض.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب