قال تعالى: ﴿وَمَن يُهاجِر في سَبيلِ اللَّهِ يَجِد فِي الأَرضِ مُراغَمًا كَثيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا﴾ هل إذا سافرت للعمل أدخل فى هذه الآية الكريمة، مع التوضيح؟
هل السفر لطلب الرزق من الهجرة في سبيل الله؟
السؤال: 533004
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الهجرة في سبيل الله إذا أطلقت: يراد بها الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لإقامة الدين، ومنها الهجرة المذكورة في الآية الكريمة الواردة في السؤال. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ النساء/100.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:
"الهجرة: شرعًا: مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، ووجوبها باقٍ" انتهى من "الفتح المبين بشرح الأربعين" (ص131).
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (42/ 177).
"والهجرة في الاصطلاح: الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام. فإن كانت قربة لله، فهي الهجرة الشرعية" انتهى.
ثانيا:
أما ما يتعلق بالفضيلة المذكورة في الآية.
فهي لمن هاجر بدينه، من بلاد الكفر، إلى بلاد الإسلام؛ لإقامة الدين. وقد تضافرت أقوال المفسرين على أن الهجرة المقصود في الآية الكريمة: هي الهجرة الشرعية التي سبق بيانها.
قال الطبري رحمه الله:
تأويل قوله تعالى: {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما} يعني جل ثناؤه بقوله: {ومن يهاجر في سبيل الله}: «ومن يفارق أرض الشرك وأهلها هربا بدينه منها ومنهم إلى أرض الإسلام وأهلها المؤمنين {في سبيل الله} يعني في منهاج دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه" انتهى من "تفسير الطبري" (7/ 391).
وقال الشوكاني رحمه الله:
"وقوله: (في سبيل الله) فيه دليل: على أن الهجرة لا بد أن تكون بقصد صحيح، ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا، ومنه الحديث الصحيح: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" انتهى من "فتح القدير للشوكاني" (1/ 583)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} الهجرة، ترك البلاد التي لا يقيم الإنسان فيها دينه، إلى بلاد أخرى يقيم فيها دينه. وعبر عنها بعضهم بقوله: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام" انتهى من "تفسير العثيمين: النساء" (2/ 123).
وفي معنى الآية الكريمة، من وعد الله جل جلاله، لمن خرج " في سبيله"، لا يخرجه إلا تلك النية الصادقة، لتكون كلمة الله هي العليا، حديث جليل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي؛ فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ: أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ.
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي.
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ).
رواه البخاري (36)، ومسلم (1876)، واللفظ لمسلم.
وبذلك يتبين أن السفر لطلب الرزق: لا يدخل في مفهوم الهجرة في سبيل الله، المرادة عند الإطلاق، الموعود صاحبها بما جاء في الآية الكريمة، والحديث الشريف، وما أشبههما.
ولذا جعله الله قسيما ومقابلاً للهجرة في سبيل الله، كما في حديث (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
وقسيم الشيء مختلف عنه.
ثالثاً:
من خرج مهاجراً في طلب الرزق الحلال، فهو على خير عظيم. حيث دلت النصوص على فضيلة الخروج في طلب الرزق، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ المزمل/20 فقد قرنه الله مع من يخرج للجهاد في سبيله.
قال النسفي رحمه الله:
"{وآخرون يَضْرِبُونَ فِي الأرض} يسافرون {يَبْتَغُونَ} حال من ضمير يَضْرِبُونَ {مِن فَضْلِ الله} رزقه بالتجارة أو طلب العلم {وآخرون يقاتلون فِي سَبِيلِ الله}: سوّى بين المجاهد، والمكتسب؛ لأن كسب الحلال جهاد. قال ابن مسعود رضي الله عنه ايما رجل جلب شيئا إلى المدينة من مدائن المسلمين، صابراً محتسباً، فباعه بسعر يومه، كان عند الله من الشهداء". انتهى من "تفسير النسفي" (3/ 560).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"وطلب الرزق المباح الذي يقوم به الإنسان على الأرامل والمساكين من أبنائه وعياله: هذا لا شك أنه من الخير، وفي الحديث عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله " وأحسبه قال: "كالصائم لا يفطر والقائم لا يفتر".
فالذين يسافرون في طلب الرزق، الذي يسعون به على أنفسهم وأولادهم، الذين لا يمكنهم التكسب: هم من المساكين بلا شك؛ فإنهم في هذا يكونون كالمجاهدين في سبيل الله، أو كالصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (21/ 76).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب