إذا كان الله تعالى غير محدود فكيف يتصف بصفات؛ لأن الذات المتصفة بالخير مثلاً تكون محدودة عن الشر فتكون ذات محدودة، وهذا يعني أن أي ذات موصوفة هي محدودة، والله تعالى موصوف، هل إذا وصف الله تعالى بالصفات وأنه لا يظلم ولا يريد الشر يكون محدودا؟
أولا:
الله عز وجل له الصفات العلى، كما وصف نفسه، ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والحكمة، والرحمة، والمحبة، وغير ذلك مما وصف به نفسه، وأجمعت الأمة عليه.
وأما أنه غير محدود: فليس هذا في الكتاب والسنة، ولا نقل عن الصحابة أو التابعين، وإنما ورد في كلام بعض الأئمة نفي الحد، وهو مروي عن أحمد، ونقل عن أبي حاتم، والخطابي.
وورد في كلام بعضهم إثباته، كابن المبارك، وأحمد في رواية، وعثمان بن سعيد الدارمي، والخلال، وحرب الكرماني، وإسحاق بن راهويه، وابن بطة، وأبي إسماعيل الأنصاري الهروي، وأبي القاسم ابن منده، وقوام السنة الأصبهاني، والقاضي أبي يعلى، وأبي الحسن بن الزاغوني، والحافظ أبي العلاء الهمذاني، وغير هؤلاء.
وينظر: جواب السؤال رقم: (403200).
ومراد من نفى الحد: أنه الله ليس له حد يحدُّه به خلقه، أو يعلمه خلقه.
ومراد من أثبت الحد: أن الله متميز عن خلقه، بحدٍّ يعلمه هو، ليس مختلطا بهم، ولا حالا بشيء من مخلوقاته، سبحانه وتعالى.
والجميع متفقون على إثبات الصفات، فمن نفى الحد، لم ينف الصفات بزعم أنها تجعله محدودا.
ولا يعرف نفي الصفات مطلقا إلا عن الجهمية.
ولا أعجب ممن يعرض عن مئات النصوص من الكتاب والسنة التي فيها إثبات الصفات، ثم يذهب إلى نفي الصفات بهذه الشبهة السقيمة.
ثانيا:
اعلم أنه ليس هناك موجود حقيقي، إلا وهو موصوف بالصفات التي أولها: صفة الوجود.
وتصور موجود، بلا صفة؛ لا يكون إلا في الذهن. ولهذا كان حقيقةُ قول المعطة الجهمية نفي وجود الرب تبارك وتعالى.
ثالثا:
إذا قيل: الله لا يفعل الشر، أو لا يظلم: فهذا هو ما اختاره الله تعالى لنفسه، والله على كل شيء قدير، والله تعالى فعال لما يريد، فلم يترك فعل الظلم أو الشر، لأن أحدا منعه من ذلك، سبحانه، وجل شانه، ولا لأنه لا يقدر على ذلك، جل في علاه؛ وإنما لأن هذا هو ما ارتضاه من نفسه، وأخبر عباده أنه فاعله، وأنه حرم الظلم على نفسه، سبحانه.
فالزعم بأن امتناعه عن صفة معينة، كالظلم وإرادة الشر، وأنه يكون بذلك محدودا: زعم باطل، بل هو مجرد وهم توهمه قائله.
رابعا:
ما وصف الله به نفسه من الصفات لا تورَد عليه اللوازم، فليس لأحد أن يقول: إذا كان موصوفا بالعلو لزم كذا، وإذا وصف بالنزول لزم كذا، فهذا رد على الله تعالى.
ومن جميل ما نقله الذهبي رحمه الله في ترجمة السلطان محمود بن سبكتكين، قال: "دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية؛ لأن لازم ذلك وصفه بالتحتية، فمن جاز أن يكون له فوق جاز أن يكون له تحت.
فقال السلطان: ما أنا وصفتُه حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه.
فبهت ابن فورك، فلما خرج من عنده مات.
فيقال: انشقت مرارته" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (17/487).
فإذا قال لك قائل: يلزم من وصْفه بكذا أن يكون محدودا، فقل: ما أنا وصفته بذلك حتى يلزمني! بل هو وصف نفسه. قال الله تعالى: (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) البقرة/141
والحاصل: أن الله موصوف بالصفات العظيمة التي وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من اتصافه بصفة أو امتناعه عن صفة أن يكون محدودا، بل هو الفعال لما يريد (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23
وهو الذي حرم الظلم على نفسه، وأخبر أنه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، كرماً منه وفضلا، لا مجبر له، ولا معقب لحكمه، تبارك ربنا وتعالى وتقدس.
والله أعلم.