يعتقد معظم الناس في بلدي أن أحد الحواريين قد خان النبي عيسى عليه السلام، فهل خان أحدهم عيسى عليه السلام أم لا؟
هل خان أحد الحواريين عيسى عليه السلام؟
السؤال: 536449
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الذي يتناقله أهل الكتاب من النصارى أن رجلا من أصحاب عيسى عليه السلام ارتد ودل العدو على عيسى عليه السلام، وأن هذا الرجل اسمه (يهوذا الإسخريوطي).
جاء في “مختصر إظهار الحق” (ص168):
“ورد في الأناجيل (متى 26 / 14 -16، ومرقس 14 / 10 -11، ولوقا 22 / 3 -6، ويوحنا 18 / 1 -5) أن يهوذا الإسخريوطي الذي هو أحد الحواريين الاثني عشر رضي بتسليم عيسى عليه السلام لليهود مقابل ثلاثين درهما … ” انتهى.
وورد أن شبه عيسى عليه السلام ألقي على يهوذا هذا، فصلبوه، يظنونه عيسى عليه السلام.
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى:
” وهذه الأناجيل المعتمدة، عند النصارى، تصرح بأن الذي أسلمه إلى الجند هو يهوذا الإسخريوطي، وأنه جعل لهم علامة: أن من قبَّله يكون هو يسوع المسيح، فلما قبله قبضوا عليه.
وأما إنجيل برنابا فيصرح بأن الجنود أخذوا يهوذا الإسخريوطي نفسه ظنا أنه المسيح ; لأنه ألقي عليه شبهه ” انتهى. “تفسير المنار” (6 / 19).
ومثل هذا تناقله بعض المصنفين نقلا عن روايات أهل الكتاب.
كما في “تفسير الثعلبي” (8 / 366):
“وقال وهب: طرقوا عيسى عليه السلام في بعض الليل فأسروه، ونصبوا خشبة؛ ليصلبوه، فلمَّا أرادوا صلبه أظلمت عليهم الأرض، وأرسل الله تعالى الملائكة، فحالوا بينهم وبينه، فصلبوا مكانه رجلًا يُسمَّى: يهوذا، وهو الذي دلَّهم عليه، وذلك: أن عيسى عليه السلام جمع الحواريين، تلك الليلة، وأوصاهم ثم قال: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك، ويبيعني بدراهم يسيرة، فخرجوا عنه وتفرقوا، وكانت اليهود تطلبه، فأتى أحد الحواريين إلى اليهود وقال لهم: ما تجعلون لمن يدلكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهمًا، فأخذها، ودلَّهم عليه، فألقى الله عز وجل عليه شبه عيسى عليه السلام، فلمَّا دخل البيت ورفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وأخذ الذي دلَّهم عليه، فقال: أنا الذي دللتكم عليه، فلم يقبلوا منه، ولم يلتفتوا إلى قوله وصلبوه، وهم يظنون أنه عيسى ” انتهى.
ووهب بن منبه إن صح الإسناد إليه، فإنه يكثر من ذكر ما في كتب أهل الكتاب.
لكن ورد عن ابن عباس بإسناد رواته ثقات: أن الشبه ألقي على أحد أصحاب عيسى عليه السلام المؤمنين به.
روى ابن أبي شيبة في “المصنف” (17 / 517)، والنسائي في “السنن الكبرى” (10 / 299)، والطبري في “التفسير” (22 / 622)، وابن أبي حاتم في “التفسير” (4 / 1110): عن أَبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَ عِيسَى عليه السلام إِلَى السَّمَاءِ، خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ فِي بَيْتٍ، اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، [وعند ابن أبي شيبة والطبري وابن أبي حاتم زيادة: فقال لهم: أما إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال:] فَقَالَ: أَيُّكُمْ يُلْقَى شَبَهِي عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مَكَانِي، فَيَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي؟ ، فَقَامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَامَ الشَّابُّ ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ الشَّابُّ: أَنَا، فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: نَعَمْ أَنْتَ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى عليه السلام، ثُمَّ رُفِعَ عِيسَى مِنْ رَوْزَنَةٍ كَانَ فِي الْبَيْتِ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَاءَ الطَّلَبُ مِنَ الْيَهُودِ، فَأَخَذُوا الشَّابَّ لِلشَّبِهِ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ صَلَبُوهُ … “.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
“وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس” انتهى. من “تفسير ابن كثير” (3 / 255).
والخلاصة:
ما ورد من خيانة بعض أصحاب عيسى عليه السلام له، لم يرد فيها نص من الوحي، وإنما هي من أخبار أهل الكتاب التي أذن لنا بالتحديث بها، من غير تصديق ولا تكذيب.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآيَةَ، رواه البخاري (4485).
وعن ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ رواه أبوداود (3644)، وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (6 / 712).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ” … ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق: فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته؛ لما تقدم ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (13 / 366).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب