0 / 0
13/شعبان/1446 الموافق 12/فبراير/2025

هل كان الحافظ الذهبي صوفيا؟

السؤال: 537449

هل تصوف الذهبي؟ فقد قرأت في \\\"سير أعلام النبلاء\\\" (22/377): \\\"ألبسني خرقة التصوف..إلخ\\\".

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

الحافظ الذهبي رحمه الله، أحد أئمة أهل السنة والجماعة، وقد لبس الخرقة تبعًا لمن سبقه من أهل العلم ممن رأوا جواز ذلك.

قال الحافظ الذهبي رحمه الله: "وقد لبست الخِرْقَةَ بالقاهرة من الشَّيْخ ضياء الدّين عيسى بْن يحيى الأَنْصَارِيّ السَّبْتيّ.ِ وقال: ألبسنيها الشيخُ شِهابُ الدّين بمكة فِي سنة سبعٍ وعشرين وستمائة". "تاريخ الإسلام" (14/81)، وانظر: "معجم الشيوخ الكبير" للذهبي (2/87).

ولبس خرقة التصوف مسألة علمية اختلفت أنظار العلماء فيها، وإن كان التحقيق فيها أنها باطلة لا أصل لها، ولم تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبه ولا التابعين، كما ذكر ابن الجوزي وابن تيمية، وغيرهما، وحكم الذهبي رحمه الله على سندها بالانقطاع، كما في "السير" (16/266).

ثانياً:

من لبس خرقة التصوف ممن عُرف اتباعه للكتاب والسنة وهدي السلف فلا يكفي هذا في نسبته إلى الصوفية، التي انتقدها أهل العلم.

انظر التفصيل في ذلك والنقولات : إجابة سؤال: (536680).

ثم إن إخراج الرجل من دائرة أهل السنة لها شروط ذكرها أهل العلم متناثرة، منها:

أن تكون البدعة في أصل كلي، وليس في فرع وجزئية واحدة. "الفتاوى" (12 /485-486)، "الاعتصام" للشاطبي(3/139)].

وأن تكون المسألة مجمع عليها. "مجمو ع الفتاوى"(20/207)).

وألا تكون صادرة عن تأويلِ. "شرح الأربعين لابن عثيمين" (ص/287). انظر: فتوى (287015)، (93211).

ثالثاً:

إليك نماذج من إنكار الإمام الذهبي على بعض ممارسات الصوفية، وتوضيحه لمخالفتهم منهج أهل الزهد والتنسك من السلف الصالح، مع تسليطه الضوء على ما وقع فيه المتصوفة المتقدمون من أخطاء وملاحظات:

قال الذهبي رحمه الله: "وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول: دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل، فاعلم أنه أبو جهل، وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول: دعنا من النقل ومن العقل، وهات الذوق والوجد، فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر، أو قد حل فيه، فإن جبنت منه، فاهرب، وإلا فاصرعه، وابرك على صدره، واقرأ عليه آية الكرسي، واخنقه". انتهى " سير أعلام النبلاء" (4/472).

وقال في ترجمة "سعيد بن عبد العزيز الحلبي" لما ذكر قول أبي نعيم فيه: "تخرج به جماعة من الأعلام؛ كإبراهيم بن المولد، وكان ملازماً للشرع متبعاً له.

 قال الذهبي: قلت: يعني أنه كان سليماً من تخبيطات الصوفية وبدعهم" . "السير"(14/514).

وذكر الذهبي في ترجمة "أبي حامد الغزالي: قول الغزالي: "وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية، فيجلس فارغ القلب، مجموع الهم يقول: الله الله الله على الدوام، فليفرغ قلبه، ولا يشتغل بتلاوة ولا كَتْبِ حديث.

قال: فإذا بلغ هذا الحد، التزم الخلوة في بيت مظلم، وتدثر بكسائه، فحينئذ يسمع نداء الحق!!!. (يا أيها المدثر) و(يا أيها المزمل) !!!.

قال الذهبي معقباً: سيد الخلق إنما سمع: {يَا أيُّهَا المُدَّثِرِ} (المدثر: 1) من جبريل، عن الله.

وهذا الأحمق: لم يسمع نداء الحق أبدا!!، بل سمع شيطاناً، أو سمع شيئًا، لا حقيقةً، من طيش دماغه ، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع" سير أعلام النبلاء (19/333).

وقال الذهبي رحمه الله : "وقال ابن هلالة: جلست عنده يعني-أبا الجناب أحمد الخوارزمي- في الخلوة مراراً، وشاهدت أموراً عجيبة، وسمعت من يخاطبني بأشياء حسنة.

قال الذهبي معقباً: لا وجود لمن خاطبك في خلوتك مع جوعك المفرط، بل هو سماع كلام في الدماغ الذي قد طاش وفاش، وبقي قرعة!! كما يتم للمبرسم (علة يهذي بها) والمغمور بالحُمّى، والمجنون، فاجزم بهذا، واعبد الله بالسنن الثابتة، تفلح!". انتهى من "سير أعلام النبلاء" (22/112).

وقال: "أما (الإحياء) ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير، لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علماً نافعاً.

تدري ما العلم النافع؟

هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم  قولاً وفعلاً، ولم يأت نهي عنه، قال عليه الصلاة والسلام: (من رغب عن سنتي، فليس مني).

فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في (الصحيحين) و(سنن النسائي) ، و(رياض النواوي) وأذكاره؛ تُفلح وتَنجح.

وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات. فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم". "سير أعلام النبلاء" (19/339).

وقال الذهبي في ترجمة "ابن الأعرابي في التمييز بين التصوف المحدث، والتنسك والتعبد الشرعي: "إي والله، دققوا وعمَّقوا، وخاضوا في أسرار عظيمة، معهم على دعواهم فيها سوى ظن وخيال، ولا وجود لتلك الأحوال، من الفناء والمحو والصحو والسكر، إلا مجرد خطرات ووساوس، ما تفوه بعباراتهم صديق، ولا صاحب، ولا إمام من التابعين.

فان طالبتهم بدعاويهم: مقتوك، وقالوا: محجوب.

وإن سلمت لهم قيادك: تخبَّط ما معك من الإيمان، وهبط بك الحال على الحيرة والمحال، ورمقت العباد بعين المقت، وأهل القرآن والحديث بعين البعد، وقلت: مساكين محجوبون.

فلا حول ولا قوة إلا بالله.

فإنما التصوف والتأله والسلوك والسير والمحبة: ما جاء عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من الرضا عن الله، ولزوم تقوى الله، والجهاد في سبيل الله، والتأدب بآداب الشريعة من التلاوة بترتيل وتدبر، والقيام بخشية وخشوع، وصوم وقت، وإفطار وقت، وبذل المعروف، وكثرة الإيثار، وتعليم العوام، والتواضع للمؤمنين، والتعزز على الكافرين، ومع هذا فالله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

والعالم إذا عري من التصوف والتأله، فهو فارغ، كما أن الصوفي إذا عري من علم السنة، زل عن سواء السبيل". "سير أعلام النبلاء" (15/409).

وقال الذهبي رحمه الله عن شيخ الصوفية "ابن عربي الطائي": "وكان ذكياً، كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد، وتعبد وتوحد، وسافر وتجرد، وأتهم وأنجد، وعمل الخلوات، وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة.

ومن أردء تواليفه كتاب (الفصوص) ، فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة، فواغوثاه بالله!" "سير أعلام النبلاء" (23/ 48).

وقال الذهبي في ترجمة "الحكيم الترمذي": "كذا تكلم في السلمي من أجل تأليفه كتاب (حقائق التفسير) ، فيا ليته لم يؤلفه، فنعوذ بالله من الإشارات الحلاجية، والشطحات البسطامية، وتصوف الاتحادية، فواحزناه على غربة الإسلام والسنة". "سير أعلام النبلاء" (13/442).

وانظر: منهجه في التراجم: إجابة سؤال رقم: (252738).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android