شخصٌ يدَّعي أنه ناصبيٌّ، ويسبُّ عليّاً رضي الله عنه دائماً، يدَّعي أنّ الحديث (لأعطين الراية غداً رجلاً...) قد روي عن صحابةٍ كسهل بن سعد الساعدي وابن عباس وأبي هريرة لم يكونوا حاضرين في غزوة خيبر، ولذلك فإن صدور هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله سلم ليس ثابتاً، أرجوكم أن تجيبوا على هذا الشبهة.
قول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر في حق عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (لأعطينَّ الراية غدًا رجلًا يُفتح على يديه، يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله)؛ هذا حديث صحيح متفق على صحته، قد رواه البخاري ومسلم في الصحيحين في مواضع متعددة، من ذلك ما عند البخاري (2942)، (3009)، (3702)، ومسلم (1807)، (2404).
وهو مروي في عدد من دواوين الإسلام، من كتب الاعتقاد والحديث والسيرة والفضائل والتراجم وغيرها، بأسانيد متعددة، وألفاظ متقاربة، ورواه عدد من الصحابة ممن شهد غزوة خيبر وسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وممن لم يشهدها.
ثم نحب أن نبين للسائل الكريم عدة أمور:
أولًا:
أنَّ الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وروى عنه، إذا روى أحاديث أخرى لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، لغيابه عن حضور الواقعة، أو لصغر سنِّه، أو تأخُّر إسلامه؛ فهي أيضًا روايات صحيحة مقبولة محتج بها، مثل التي سمعها سواء، باتفاق أهل العلم.
وهذا ما يسميه العلماء (مرسَل الصحابي)، وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على الاحتجاج بمرسل الصحابي، وقد وقع كثير من هذه الروايات في الصحيحين البخاري ومسلم وباقي دواوين الإسلام.
وذلك لأن الصحابي لا ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئًا إلا أن يكون قد سمعه منه، أو سمعه من صحابي مثله قد أخبره أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم عدول صادقون مأمونون، فلا يضرُّ عدم المعرفة باسم من سمعه من الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم، ويكتفى بأن يرويه الصحابي راوي الحديث.
قال ابن الصلاح: "لم نعُدَّ في أنواع المرسل ونحوه: ما يسمَّى في أصول الفقه (مرسل الصحابي)، مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحاديث الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمعوه منه؛ لأن ذلك في حكم الموصول المسند، لأن روايتهم عن الصحابة، والجهالةُ بالصحابة غير قادحة، لأن الصحابة كلهم عدول"، انتهى من "علوم الحديث" (ص56 ت. نور الدين عتر).
وحكى الإمام النووي اتفاق علماء (الطوائف) على ذلك، فقال في "شرح صحيح مسلم" (4/34): "العلماء من الطوائف متفقون على الاحتجاج بمرسل الصحابي، إلا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني"، انتهى.
وقال السرخسي في "الأصول" (1/359): "ولا خلاف بين العلماء في مراسيل الصحابة رضي الله عنهم أنها حجة، لأنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يروونه عن رسول الله عليه السلام مطلقًا؛ يُحمل على أنهم سمعوه منه أو من أمثالهم، وهم كانوا أهل الصدق والعدالة، وإلى هذا أشار البراء بن عازب رضي الله عنهما بقوله: ما كلُّ ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يحدِّث بعضُنا بعضًا، ولكنا لا نكذب"، انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص378): "وكم في الصحيح من مرسل صحابي؟! وقد اتفق الأئمة قاطبة على قبول ذلك، إلا من شذَّ ممن تأخر عنهم فلا يعتد بمخالفته" انتهى.
فبذلك تعلم أنّ الحديث صحيح ثابت حتى إن كان جميع رواته من الصحابة لم يشهدوا غزوة خيبر، فهو صحيح باتفاق أهل العلم، وأن قبول مثل ذلك هو عمل كافة المسلمين، واتفاق علماء (الطوائف).
ثانيًا:
أنَّ الحافظ ابن حجر رحمه الله قد بين أنَّ: "مرسل الصحابي: ما يرويه من الأمور التي لم يدرك زمانها، بخلاف الأمور التي يُدرِك زمانها، فإنَّها لا يقال إنها مرسلة، بل يُحمل على أنه سمعها أو حضرها ولو لم يصرح بذلك"، انتهى من "فتح الباري" (8/716).
فالصحابي إذا أدرك زمن غزوة خيبر، ثم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من أحداث خيبر، ولم يقل إنه رأى بعينه، ولا قال إنه سمع بأذنه؛ فهذا لا يسميه العلماء مرسلًا من الأصل، بل هو محمول على الاتصال.
وإن صحَّ ما زعمه الناصبي، أن مَن ذكرهم من الصحابة لم يحضروا الغزوة؛ فلا يفيده أيضًا شيئًا، لأنهم جميعا يتحقق فيهم وصف (الصُّحبة) في زمن وقوع خيبر، كما يُعلَم من تراجمهم.
ثالثًا:
هذا الحديث رواه عدد من الصحابة، ومنهم من حضر غزوة خيبر أو بعض وقائعها بنفسه، ومنهم من شهدها كلها، وصرَّح أنه سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، ولنقتصر على ذكر ثلاثة منهم:
1- أبو هريرة رضي الله عنه، لا كما يقول الناصبي:
وروايته لحديث إعطاء الراية لعليٍّ رضي الله عنه في "صحيح البخاري" (2405).
وقد قدِم أبو هريرة المدينة لأول مرة للقاء النبي صلى الله عليه وسلم، بينما كان النبي وأصحابه بخيبر، فقد وصل المدينة بين الحديبية وخيبر، ثم لحق بهم إلى خيبر، وينظر "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (4/1886)، و"المعرفة والتاريخ" للفسوي (2/738).
ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما افتتحوها، فقلت: يا رسول الله، أسهِم لي ..." رواه البخاري (2827).
وبهذا تعلم حضور أبي هريرة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل أن يرجعوا من خيبر، فلا بدَّ أن يكون قد سمع من الصحابة، أو من النبي صلى الله عليه وسلم ما فاته من وقائعها، وشهد ما شهد منها أيضًا، ومن ضمن ما سمع، أو شهد: حديث إعطاء الراية لعليٍّ رضي الله عنه، فإن هذا من أهم أحداث غزوة خيبر وأشهرها، وما زال الصحابة يحدث بعضهم بعضًا به، ولا بد.
ولذلك يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبًا ولا ورِقًا ..." الحديث، رواه البخاري (6707) ومسلم (115) ، ويقول: "شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه ..." الحديث، رواه البخاري (6606).
فرواية أبي هريرة لحديث (لأعطينَّ الراية غدًا) صحيحة متصلة، لا مطعن فيها، وهو من جملة من خرج من الصحابة إلى خيبر، وشهد بعض ما كان فيها، وسمع أحاديثها ممن حضرها من أول أمرها، أو من النبي صلى الله عليه وسلم.
2- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
وهو من أوائل من أسلم من السابقين، ومن العشرة المبشرين، وممن اعتزل الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ونص العلماء أنه شهد غزوة خيبر، ولنذكر حديثه بطوله لفائدته في هذا المقام:
فقد روى مسلم في "صحيحه" (2404) بسنده: "... عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدًا فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرتُ ثلاثًا قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسُبَّه، لَأنْ تكون لي واحدة منهنَّ أحبّ إليَّ من حُمْر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، خلَّفَه في بعض مغازيه، فقال له عليٌّ: يا رسول الله خلَّفْتَني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوة بعدي)، وسمعتُه يقول يوم خيبر: (لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)، قال: فتطاولنا لها، فقال: (ادعوا لي عليًّا) فأُتِي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الآية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}، دعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمةَ وحسنًا وحسينًا فقال: (اللهم هؤلاء أهلي)"، انتهى.
3- سلمة بن الأكوع رضي الله عنه:
وروايته من أهم ما يدحض شبهة الناصبي، فإن سلمة رضي الله عنه هو الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليٍّ رضي الله عنه حتى يأخذ الراية، فقد شهد القصة كلها ورواها.
فقد روى مسلم في "صحيحه" (1807) قصّة غزوة خيبر بطولها، يحكيها سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، ومما جاء فيها قوله رضي الله عنه: "... ثم أرسلني إلى عليٍّ، وهو أرمد. فقال: (لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله). قال سلمة: فأتيت عليًّا فجئت به أقوده، وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبسق في عينيه فبرأ، وأعطاه الراية ..." انتهى.
فهؤلاء ثلاثة من الصحابة، شهدوا غزوة خيبر بأنفسهم، قد رووا الحديث، ونصَّ اثنان منهم على السماع من النبي صلى الله عليه سلم.
رابعًا:
فضائل عليٍّ رضي الله عنه وخصائصه الصحيحة الثابتة كثيرة، لا تقتصر على ما في هذا الحديث، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "ما رُوي في فضائل أحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالأسانيد الصحاح: ما روي عن علي بن أبي طالب" انتهى من "طبقات الحنابلة" (3/216).
فإنكار فضيلة واحدة من فضائله، وخصائصه الكثيرة الصحيحة الثابتة رضي الله عنه، بمثل هذه الشبهة الكاذبة الضعيفة؛ لا تفيد الناصبيَّ شيئًا على كل حال!
وقد أفرد بعض أئمة السنة والحديث فضائلَ عليٍّ رضي الله عنه بأبواب في تصانيفهم، كما فعل البخاري ومسلم وغيرهما، وأفرد بعضهم فضائله بالتصنيف، كما فعل الإمام النسائي فصنَّف "خصائص عليٍّ"، فجمع أحاديث كثيرة قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (8/276): "أسانيد أكثرها جِيادٌ".
فطالع بعض ذلك للفائدة، أو ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في "فضائل الصحابة" (2/609)، أو ما سرده الحافظ ابن حجر من فضائله في ترجمته رضي الله عنه من "الإصابة" (8/275).
ولكثرة فضائل علي رضي الله عنه الصحيحة، قال القاضي عياض رحمه الله: "من حقق مكان عليٍّ من النبي صلى الله عليه وسلم، وحُبَّه له، وغناءه في الإسلام، وسوابقَه؛ أحبَّه إن كان مؤمنًا محبًّا في النبي وآله"، انتهى من "إكمال المعلم" (1/335)، وذلك في شرح قول عليٍّ رضي الله عنه: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ: ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق" رواه مسلم في صحيحه (78).
خامسًا:
اتفق أهل السنة والجماعة على إثم من سب الصحابة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدركَ مُدَّ أحدِهم، ولا نصيفه) رواه مسلم (2540).
قال ابن هبيرة رحمه الله في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (8/70): "في هذا الحديث ما يدلُّ على تشديد التحريم لنيل الصحابة بسب أو قذع أو أذًى"، وقال النووي في "شرح مسلم" (16/93): "اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام مِن فواحش المحرمات، سواء مَن لابس الفتن منهم وغيره".
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/580): "وسب أصحاب النبي عليه السلام وتنقصهم أو أحد منهم: من الكبائر المحرمة، وقد لعن النبي عليه الصلاة والسلام فاعل ذلك".
ثم إن عليًّا رضي الله عنه من صفوة هؤلاء الصحابة، فهو من السابقين الأولين، وممن بايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة بيعة الرضوان في الحديبية، وقد قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى: { قَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).
فالأمر في علي رضي الله عنه وبقية هؤلاء الصفوة أخطر، والشأن فيهم أعظم، وحقهم على الأمة أوجب، رضي الله عنهم وعن إخوانهم جميعا.
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، قول عطاء رحمه الله: "هم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار بالترحم والدعاء"، كما في "تفسير البغوي" (4/88).
فالمتَّبِعون بإحسان، الداخلون إن شاء الله في رضوان الله وما أعدَّه تعالى من جنات وفوز عظيم: لا بدَّ أن يكونوا من الذاكرين للمهاجرين والأنصار بالترحم والدعاء، لا بالسب ولا الهجاء.
سادسًا:
ينبغي أيها السائل الكريم أن تكون أشدَّ حرصًا على سلامة قلبك من الفتن والشكوك، بألا تجالس من يثير الشبهات ولا تستمع إليهم، فإن هذا يوردك الخطر، وإذا كان هذا الرجل يزعم أنه (ناصبي) ثم يسبُّ عليًّا رضي الله عنه (دائما) كما ذكرت، فلتنصح له، ثم لتحرص أنت على عدم الاستماع إلى الشبهات، وكذلك كل من تعلم أنه يثير الشبهة ويتكلم بها، واحرص على تعلم العلم النافع الذي يقودك إلى العمل الصالح النافع في الآخرة، باستماع العلماء الذين تثق في علمهم وتدينهم، فإن الإنسان لا يأمن أن يستمع إلى شبهة فتأخذ بقلبه ويتحول بها إلى الضلالة بعد الهدى، وإلى البدعة بعد السنة، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالط"، وفي رواية: "من يخالل"، رواه أحمد (8027)، وأبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وحسَّنه الشيخ الألباني.
ولذلك كان من وصايا أئمة وعلماء السلف الصالح؛ الكف عن مجالسة أهل البدع المتكلمين بالشبهات، وترك الاستماع إليهم، لما في ذلك من تأثير على دين الإنسان ولما يورثه من الشك والحيرة.
كقول أبي قلابة رحمه الله: "لا تجالسوا أصحاب الأهواء، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون"، وقول عمرو بن قيس الملائي رحمه الله: "لا تجالسوا أصحاب الأهواء، فإنهم يُمرضون القلوب".
وقال مصعب بن سعد رحمه الله: "لا تجالس مفتونًا، فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين: إما أن يفتنك فتتابعه، وإما أن يؤذيك قبل أن تفارقه"، وكان يونس بن عبيد رحمه الله يوصي ويؤكد وصيَّته فيقول: "لا تمكِّن سمعَك من صاحب هوى".
وذلك أن الإنسان إذا لم يكن عالمًا بالسنة وأدلتها، عالمًا بالبدع وأجوبتها، فإنه متأثِّر بما يسمع ولا بدَّ، لذلك يقول بعض السلف في تعليل ترك الاستماع لشبهات أهل الأهواء مجالستهم: "لو أعلم أن أحدكم يقوم كما قعد، لم أبال"!
فلا ينبغي أن يتعمَّد المسلم الحريص الاستماع إلى من يعلم أنه مخالف للسنة، مثير للشبهة، فإن فتن الشبهات أشد الفتن، والفتن خطَّافة!
وتأمل قول سفيان الثوري رحمه الله: "من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم؛ خرج من عصمة الله، ووُكِل إلى نفسه"، وقوله أيضًا: "من يسمع ببدعة، فلا يَحكها لجلسائه، لا يُلْقِها في قلوبهم".
قال الذهبي رحمه الله في "السِّير" (7/261): "أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشُّبَه خطافة".
وانظر لبعض الآثار عن السلف "الإبانة الكبرى" لابن بطة (2/429) "باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان"!
والله أعلم.