ما هو سند الحديث التالي: ( ومن أسلم نفسه لله أربعين يوما جاءته مصادر الحكمة من قلبه على لسانه) الحديث رواه أبو داود، وأبو النعمان في “الحلية”؟
هل صح أن من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه؟
السؤال: 541771
ملخص الجواب
هذا الخبر ضعيف، ليس له إسناد صحيح.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لم نقف على هذا الخبر بهذا اللفظ: ( ومن أسلم نفسه لله أربعين يوما … ).
لكن المشهور هو بلفظ: ( من أخلص لله تعالى أربعين يوما )، وهذا الخبر بهذا اللفظ قد ورد من عدة طرق.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" باب من أخلص أربعين صباحا: فيه عن أبي أيّوب، وأبى موسى، وابن عبّاس " انتهى. "الموضوعات" (3 / 144).
فأما حديث أبي أيوب رضي الله عنه:
فرواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (5 / 189): عن حَبِيب بْن الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشَّكْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يسار السباري، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو خالد يَزِيدُ الْوَاسِطِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَجَّاجُ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ تعالى أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ على لِسَانه ).
وهذا إسناد ضعيف، لجهالة حال محمد بن إسماعيل، وللكلام في يزيد الواسطي، وفي الحجاج أيضا كما سيأتي، ولانقطاع الإسناد بين مكحول وأبي أيوب رضي الله عنه.
قال الترمذي رحمه الله تعالى:
" ومكحول قد سمع من واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك وأبي هند الدّاريّ، ويقال: إنّه لم يسمع من أحد من أصحاب النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلّا من هؤلاء الثّلاثة " انتهى. "سنن الترمذي" (4 / 277).
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" أما حديث أبي أيّوب: ففيه يزيد الواسطي وهو يزيد بن عبد الرحمن.
قال ابن حبان: كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، خالف الثقاة في الرّوايات، لا يجوز الاحتجاج به.
وحجاج مجروح، ومحمد بن إسماعيل مجهول، ولا يصح لقاء مكحول لأبي أيّوب " انتهى. "الموضوعات" (3/145).
ثم إن يزيد الواسطي مع ما فيه من الكلام، قد خالفه غيره فرووه عن الحجاج من حديث مكحول مرسلا.
قال أبو نعيم رحمه الله تعالى: " كذا رواه يزيد الواسطي متصلا. ورواه ابن هارون ورواه أبو معاوية عن الحجاج فأرسله " انتهى. "حلية الأولياء" (5/189).
ورواية أبي معاوية رواها حسين المروزي في زوائده على الزهد لابن المبارك "الزهد" (ص359)، وهناد بن السري في "الزهد" (2/357): عن أَبي مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ الْعِبَادَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ ).
ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (19/264)، قال: حدثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَا أَخْلَصَ عَبْدٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا إِلَّا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ ).
ثم هذا الخبر مع ارساله، في إسناده الحجاج، وهو ابن أرطاة: متكلّم فيه، وقد تفرّد بهذا الخبر عن مكحول، وهو أيضا موصوف بالتدليس، ولم يصرح بسماع هذا الخبر من مكحول.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"حجاج بن أرطأة النخعي الكوفي، من كبار الفقهاء:
تركه ابن مهدي، والقطان، وقال أحمد: لا يحتج به. وقال ابن معين، والنسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: لا يحتج به. وقال ابن عدي: ربما أخطأ، ولم يتعمد، وقد وثق. وقال ابن معين أيضا: صدوق يدلس. خرج له مسلم مقرونا بغيره" انتهى. "المغني في الضعفاء" (1/ 149).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"حجاج بن أرطاة الفقيه الكوفي المشهور: أخرج له مسلم مقرونا.
وصفه النسائي، وغيره بالتدليس عن الضعفاء، وممن أطلق عليه التدليس: ابن المبارك، ويحيى بن القطان، ويحيى بن معين، وأحمد، وقال أبو حاتم: إذا قال حدثنا فهو صالح، وليس بالقوي " انتهى. "طبقات المدلسين" (ص49).
وأما حديث أبي موسى رضي الله عنه:
فرواه ابن عدي في "الكامل" (8/442)، قال: حَدَّثَنَا عَبد اللَّهِ بْنُ مُحَمد بْنِ سَلَمٍ، حَدَّثَنا حميد بن زَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنا أبو أيوب الدمشقي، حَدَّثَنا عَبد الملك بْن مهران الرفاعي، حَدَّثَنا مَعْنُ بْنُ عَبد الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَخْلَصَ فِيهَا الْعِبَادَةَ: أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِهِ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ مِنْ قلبه ).
قال ابن عدي رحمه الله تعالى:
" وهذا متنه منكر، وعبد الملك بن مهران له غير ما ذكرت، وَهو مجهول ليس بالمعروف " انتهى. "الكامل" (8/442).
وأما حديث ابن عباس رحمه الله تعالى:
رواه القضاعي في "مسند الشهاب" (1/285)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَذَنِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَذَنِيُّ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فِيلٍ الْإِمَامُ بِأَنْطَاكِيَةَ، حدثنا عَامِرُ بْنُ سَيَّارٍ، حدثنا سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ ).
وهذا إسناد ضعيف أيضا، ففيه سوار بن مصعب متروك الحديث.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" وأمّا حديث ابن عبّاس فقال أحمد ويحيى والنّسائيّ: سوار بن مصعب متروك الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة ولا يكتب حديثه " انتهى. "الموضوعات" (3/145).
وفي إسناده أيضا عامر بن سيار مجهول.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" عامر بن سيار: روى عن سوار بن مصعب … فسألت أبي عنه؟ فقال: رجل مجهول " انتهى. "الجرح والتعديل" (6/322).
ولأجل ما ذكرنا من ضعف أسانيده، قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 145):
"هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم". انتهى.
وقال الحافظ المنذري، رحمه الله: " أقف له على إسناد صحيح ولا حسن. إنما ذكر في كتب "الضعفاء" كـ "الكامل" وغيره، ولكن رواه الحسين بن الحسن المروزي في "زوائده" في "كتاب الزهد" لعبد الله بن المبارك فقال: حدثنا أبو معاوية: أنبأنا حجاج عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مرسلاً.
وكذا رواه أبو الشيخ ابن حَيّان وغيره عن مكحول مرسلاً. والله أعلم". انتهى، من "الترغيب والترهيب" (1/24).
والحاصل:
هذا الخبر ضعيف، ليس له إسناد صحيح.
وأقوى ما فيه خبر مكحول، وهو مع إرساله وعدم اتصال سنده، في إسناده الحجاج بن أرطاة وهو متكلم فيه وموصوف بالتدليس وقد تفرّد به عن مكحول، ولم يصرح بسماعه منه.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب