0 / 0
01/02/2025

ما موقف المسلم من الاختلاف في العقيدة؟

السؤال: 543477

يحصل بين المسلمين الكثير من التنازع والاختلاف في كثير من مسائل الدين خصوصاً في العقيدة، فما هو موقف المسلم منها؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

أمر الله تعالى المؤمنين بالاتحاد والاجتماع وعدم الفرقة، فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آل عمران/103-105.

وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) الأنعام/159.

وأمر الله تعالى برد النزاع إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم أي إلى الكتاب والسنة، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/59.

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42).

وهذا يشمل النزاع في المسائل العلمية والعملية.

فحيث وجد خلاف في مسألة عقدية، وجب رد الخلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما وافق الكتاب والسنة فهو الحق.

ولنضرب لذلك مثلا: فإذا حصل نزاع حول إثبات صفة من الصفات، أو مجموعة من الصفات كالصفات الخبرية، كاليد والوجه والضحك والفرح والنزول، وكل يدعي رجوعه للكتاب والسنة، لكن منهم يثبت هذه الصفات صفات حقيقية على ظاهر ما في الكتاب والسنة، ومنهم من يتأولها، ويردها إلى الذات، أو إلى صفات أخرى كالإرادة والقدرة، ومنهم من يثبتها إثباتا لفظيا، مع نفي معناها الظاهر= فلا شك أن الحق مع الأول؛ لموافقته الكتاب والسنة، فإن الأصل في الكلام الحقيقة، والنصوص جاءت بألفاظ تدل على معان، ولم تـأت مجرد ألفاظ، فوجب إثبات الصفات على ظاهرها، مع نفي التشبيه عنها؛ عملا بقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى/11.

قال “ابن عبد البر” رحمه الله تعالى: “أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز؛ إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك، ولا يَحدون فيه صفة محصورة”، انتهى، “التمهيد” (7/ 145).

ثانيا:

ومن السبيل المستقيم لفض النزاع: الرجوع إلى إجماع الأمة المعصوم، الذي تحرم مخالفته، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/115.

فيرجع إلى ما أجمع عليه السلف من أن الإيمان قول وعمل، وأن الله تعالى بائن من خلقه مستو على عرشه، وعرشه فوق سمواته، وأن له يدين ووجها، وأنه يحب ويرضى، ويضحك ويفرح، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كل لية، إلى غير ذلك مما حكي فيه إجماع الصدر الأول.

وليحذر من الإجماعات المتأخرة المدعاة في كتب المتكلمين.

ثالثا:

إذا كان المتنازعون متفقين على تعظيم الصحابة والسلف والأئمة المتقدمين، فإن السبيل لفض النزاع بينهم بعد الرجوع للكتاب والسنة والإجماع: الرجوع إلى أقوال الصحابة والتابعين والأئمة، فهم أعلم الناس بالكتاب والسنة، وقد كانوا على الحق قبل حصول الخلاف والفرقة.

وقد يسر الله طباعة كثير من كتب العقائد المسندة التي تعنى بنقل كلام الصحابة والتابعين والأئمة.

فعليك بما في كتاب التوحيد من صحيح البخاري، وما في كتاب السنة من أبي داود، وما كتبه الإمام أحمد، وما نقله عنه ابنه عبد الله في السنة، وحرب الكرماني في مسائله، وما كتبه الطبري والدارمي والمزني وأمثالهم من الأئمة المتقدمين، وكتبهم مطبوعة والحمد لله، وتجد آثار السلف مجموعة في: الإبانة لابن بطة، والشريعة للآجري، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للطبري اللالكائي، والعرش لابن أبي شيبة، والعرش للذهبي، والعلو للذهبي، وإثبات صفة العلو  لابن قدامة، والتوحيد لابن خزيمة.

فمن اعتصم بالكتاب والسنة والإجماع، واعتمد فهم الصحابة والتابعين، نجا.

وينبغي أن يكثر المؤمن من سؤال ربه الهداية والتوفيق.

روى أحمد (1997)، وأبو داود (1510)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3880) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:84] يَدْعُو: (رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ، مُخْبِتًا، أَوْ مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي) وصححه الترمذي، والألباني.

وفي رواية: (وَيَسِّرِ الْهُدَى إِلَيَّ).

وروى مسلم (770) عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: “كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: (اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

وننصح بسماع محاضرة: “منهج شيخ الإسلام في التعامل مع الخلاف العقدي“، لمعالي الشيخ يوسف الغفيص، حفظه الله.

وننصح أيضا بدرجة أكبر بمذاكرة شرح الشيخ الغفيص وفقه الله، لرسالة : “شرح حديث الافتراق” لشيخ الإسلام ابن تيمية.

وننصح بسماع المحاضرات كلها، وهي متاحة مكتوبة مفرغة أيضا، لمن يشق عليه السماع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android