0 / 0

هل تنقطع أحكام النكاح بالموت؟

السؤال: 545081

كنت أقارن كلام بعض الشيوخ بقولهم إن الزواج يستمر حتى بعد الموت، سؤالي هو: إذا كان يستمر فكيف يستطيع الزوج زواج أخت زوجته إذا ما زال العقد موجود بينه وبين المتوفاة، ألا ينقطع زواج الميت كما انقطع عمله وذكره، وكيف تستطيع امرأة الزواج من غير زوجها، مثلا إذا إن العقد لا يحل بالموت وانقضاء العدة للمرأة وأيام العزاء للرجل، كما أَنْ النِّكَاحِ ( فَلَا يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ، وَلَا الْإِقَامَةُ فِي مَنْزِلِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْبِسَهَا بَلْ يَدَعَهَا تَكْتَسِبُ وَلَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا عِوَضَ الِاسْتِمْتَاعِ"، فقد انقطع عوض الاستمتاع بينه وبينها ولا قوامة ولا نفقة منه، وذهبت الدنيا، وما بقي إلا الأسماء لما بحثت بالحديث لمن الزوجة بعد الوفاة، والصحابي الذي يسأل زوجته عدم الزواج بغيره، وهي كلها أحاديث ضعيفة، كما إني وجدت حديث الحور: (قاتلك الله إنه دخيل عندك)، والدخيل هو الذي حين يخرج بعد مدة زمنية لا يرتبط بمن دخل عليهم، بل يبحث عن غيره، فهل بقائها معه أمر قطعي، أم إنه لم يذكر بشكل صريح؛ لأنني بحثت، وكل آية للزوج كانت تفسيرها مع الحور ليس مع الزوجة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

صرح كثير من الفقهاء بانقطاع النكاح بالموت، وعلل بعضهم ذلك بما جاء في السؤال من جواز الزواج بأخت المتوفاة، وبأربع سواها.

وفرق الحنفية بين موت الزوج وموت الزوجة، فقالوا: إذا مات الزوج لم ينقطع النكاح إلا بعد العدة، ولهذا أجازوا لها أن تغسّله. وأما إذا ماتت الزوجة فينقطع النكاح بموتها وليس له أن يغسلها، ولا أن ينظر إليها، وأجاز بعضهم النظر.

قال السرخسي في "المبسوط" (2/71): "النكاح بموتها ارتفع بجميع علائقه، فلا يبقى حل المس والنظر، كما لو طلقها قبل الدخول.

وبيان الوصف: أنها بالموت صارت محرمة ألبتة، والحرمة تنافي النكاح ابتداء وبقاء، ولهذا جاز للزوج أن يتزوج بأختها، وأربع سواها.

بخلاف ما إذا مات الزوج" انتهى.

وصرح المالكية بأنه ينتهي "حكم النكاح" بالموت، وأرادوا بحكم النكاح "الاستمتاع بالزوجة، ولزوم الإنفاق، وغير ذلك مما هو من لوازم الزوجية". "حاشية العدوي على الخرشي" (1/ 151).

وصرح الشافعية أن "آثار النكاح" لا ترتفع بالموت، بدليل أن لها أن يغسلها. "حاشية البجيرمي على المنهج" (3/ 332).

ثانيا:

هناك آثار وعلق تتعلق بالنكاح، منها تغسيل أحد الزوجين للآخر، وقد أجاز الفقهاء بالإجماع أن تغسّل المرأة زوجها بعد الموت، وأجاز الجمهور تغسيل الزوج لها أيضا؛ واعتمدوا في ذلك على النص والقياس.

قال ابن قدامة رحمه الله: "مسألة: قال: وتغسّل المرأة زوجها. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات. قالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نساؤه، رواه أبو داود.

وأوصى أبو بكر - رضي الله عنه - أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وكانت صائمة، فعزم عليها أن تفطر، فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه، فقالت: لا أتبعه اليوم حنثا. فدعت بماء فشربت. وغسل أبا موسى امرأته أم عبد الله، وأوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته.

قال أحمد ليس فيه اختلاف بين الناس.

مسألة: قال: وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته، فلا بأس.

المشهور عن أحمد: أن للزوج غسل امرأته، وهو قول علقمة، وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود، وجابر بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وقتادة، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق.

وعن أحمد رواية ثانية، ليس للزوج غسلها. وهو قول أبي حنيفة، والثوري؛ لأن الموت فرقة تبيح أختها، وأربعا سواها، فحرمت النظر واللمس، كالطلاق.

ولنا: ما روى ابن المنذر أن عليا - رضي الله عنه - غسل فاطمة - رضي الله عنها - واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكروه، فكان إجماعا.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: رضي الله عنها  «لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك» رواه ابن ماجه. والأصل في إضافة الفعل إلى الشخص أن يكون للمباشرة، وحمله على الأمر يبطل فائدة التخصيص.

ولأنه أحد الزوجين، فأبيح له غسل صاحبه كالآخر، والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته دون غيره، لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه، لما بينهما من المودة والرحمة.

وما قاسوا عليه لا يصح " انتهى من "المغني" (2/390).

ثالثا:

من آثار النكاح: كون الزوجة مع زوجها في الجنة؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21

وقال تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) الزخرف/70.

وقال في دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) غافر/8،

وقال تعالى: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) الرعد/22 - 23.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/ 451): "أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين، والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، امتنانًا من الله، وإحسانًا من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) " انتهى.

ومن آثار النكاح: كون الزوجة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، إذا تزوجت بأكثر من زوج؛ لحديث عطية بن قيس الكلاعي قال: خطب معاوية بن أبى سفيان أم الدرداء بعد وفاة أبي الدرداء، فقالت أم الدرداء: إني سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما امرأة توفي عنها زوجها، فتزوجت بعده؛ فهي لآخر أزواجها)؛ وما كنت لأختارك على أبي الدرداء. فكتب إليها معاوية: "فعليك بالصوم فإنه محسمة" رواه الطبراني في " المعجم الأوسط" (3/275)، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع" (2704)، وفي "السلسلة الصحيحة" (1281).

وينظر: "حاشية ابن عابدين" (2/ 213)، "تحفة المحتاج" (3/141).

وينظر الخلاف في المسألة، في جواب السؤال رقم: (8068).

وعلى ذلك يقال:

إن الأصل في أحكام النكاح أنها تنقطع بموت أحد الزوجين، ولهذا تتزوج المرأة بعد زوجها، ويتزوج هو، إن كان عنده ثلاث غيرها، وترثها ويرثها، إلى غير ذلك من الأحكام.

وإن بقيت بعض آثار النكاح بينهما في الدنيا، مثل أن يغسل كل منهما الآخر، أو أن يجمع بينهما في الآخرة.

رابعا:

أما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينقطع نكاحهن بالموت.

قال أبو بكر ابن العربي المالكي رحمه الله: "المسألة السابعة عشرة : هل بقين أزواجا أو زال النكاح بالموت؟ وإذا قلنا: إن حكم النكاح زال بالموت، فهل عليهن عدة أم لا ؟

فقيل: عليهن العدة؛ لأنهن زوجات توفي عنهن زوجهن، وهي عبادة.

وقيل: لا عدة عليهن؛ لأنها مدة تربص، لا ينتظر بها الإباحة.

وببقاء الزوجية أقول؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة عاملي صدقة } . وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث : { ما تركت بعدُ نفقة أهلي } وهذا اسم خاص بالزوجية؛ لأنه أبقى عليهن النفقة مدة حياتهن، لكونهن نساءه .

وفي بعض الآثار: { كل سبب ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي }.

والأول [يعني: الحديث الأول]: أصح , وعليه المعول . 

ومعنى إبقاء النكاح بقاء أحكامه من تحريم الزوجية، ووجوب النفقة والسكنى؛ إذ جُعل الموت في حقه عليه السلام، بمنزلة المَغِيب في حق غيره، لكونهن أزواجا له قطعا، بخلاف سائر الناس؛ لأن الميت لا يعلم كونه مع أهله في دار واحدة، فربما كان أحدهم في الجنة، والآخر في النار، فبهذا الوجه انقطع السبب في حق الخلق، وبقي في حق النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "أحكام القرآن" (3/617).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android