اتصل بالناس، وأقول لهم أتيكم بزيت زيتون جيد من مكان كذا أو بلد كذا، وممتاز، وأمدح الزيت، وأرغبهم فيه، وأعطيهم أسعارا من عندي، أخذ فكرة عن السوق، وأضيف المصاريف التي يمكن أن أتكبدها والربح، وأُرغبهم في السعر، والكميات الكبيرة، فمن استجاب منهم اتفقت معهم على الكمية والثمن والتسليم، ومنهم من يطالبني بمواصفات معينة، ويشترط أن أبعث له عينة ليجرب، فإن أعجبه طالبته بإبرام العقد على مقدم يدفعه نقدا بحوالة، فأعقد له مع صاحب الزيت وعقد الشحن، ثم أطالبه بدفع المؤخر من الثمن مقابل أوراق الشحن، فهل هذا جائز؟
أولا:
البيع بهذه الصورة لا يصح؛ لأنك تبيع ما لا تملك، وقد روى النسائي (4613)، وأبو داود (3503)، والترمذي (1232) عن حكيم بن حزام قال: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ قَالَ: (لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) والحديث صححه الألباني في "صحيح النسائي".
والذي يستثنى من ذلك هو بيع السلم، ويشترط فيه أن يدفع المشتري الثمن كاملا عند العقد.
وبيع السلم: هو بيع موصوف في الذمة إلى أجل معلوم، بثمن حال في مجلس العقد.
فإذا كانت السلعة تنضبط بالوصف، ووصفْتها وصفا يزيل الجهالة، واستلمت الثمن كاملا في مجلس العقد، وحددت أجلا لتسليم السلعة، جاز ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) رواه البخاري (2240)، ومسلم (1604).
قال في "كشاف القناع" (3/ 158): " (ولا يصح بيع) شيء (معين لا يملكه ليشتريه ويسلمه) لحديث حكيم السابق.
(بل) يصح بيع (موصوف) بما يكفي في السلم (غير معين) ولو لم يوجد في ملكه مثله (بشرط قبضه) أي: الموصوف (أو قبض ثمنه في مجلس العقد) وإلا لم يصح السلم " انتهى.
وإذا كانت الحوالة لا تصل إلا بعد يومين أو ثلاثة، فلا حرج في ذلك، وقد أجاز المالكية تأخير الثمن اليومين والثلاثة؛ لأن "ما قارب الشيء له حكمه" فالتأخير اليسير في حكم المعجل.
وينظر: "شرح الخرشي على خليل" (5/ 202).
وينظر في شروط السلم: جواب السؤال رقم: (104727).
ثانيا:
إذا أبى المشتري أن يدفع الثمن كاملا، فأمامك مخرجان:
الأول: المرابحة للآمر بالشراء، فيتم الاتفاق بينك وبين الراغب في الزيت على أنك ستشتريه ثم تبيعها عليه بربح معلوم لك وله، وهذا وعد لا بيع.
ويشترط: أن تشتري السلعة، وتقبضها، قبل أن تجري عقد البيع مع الزبون.
وهل لك أن تأخذ مقدما من الزبون في مرحلة الوعد؟
في ذلك خلاف، وقد أجازه بعض العلماء واعتبروه هامشا للجدية، أي للتأكد من جدية الزبون في الشراء، ويكون أمانة في يدك، ولا يجوز لك الانتفاع به حتى يتم العقد. وينظر: "المعايير الشرعية"، ص 111.
فإذا اشتريت الزيت، وقبضته، جاز لك بيعه على الزبون.
وإنما اشترطنا القبض؛ لما روى أحمد (15399)، والنسائي (4613): " أن حكيم بن حزام أخبره قال قلت يا رسول الله إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم علي قال: (فإذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم: (342).
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) . والحديث حسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
فلا يصح أن تطلب من صاحب الزيت أن يشحن الزيت للزبون، بل يلزم أن تقبضه أنت أولا، أو يقبضه وكيل عنك، ثم تبيعه للزبون.
المخرج الثاني: ألا تبيع الزيت حتى يصل إلى الزبون، فتخبر الزبون بالزيت وصفته، وتتواعدا على شراء قدر معين منه، ثم تشحنه للزبون مع مندوب، يعقد البيع مع المشتري بدلا عنك، ويستلم منه الثمن، وهذا بيع لسلعة حاضرة بثمن حاضر.
والله أعلم.