هل يصح قول “حِلم الله وسع كل شيء” كما وسعت رحمته كل شيء؟
أولا:
الله تعالى من أسمائه الحليم، ومن صفاته الحلم.
قال تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة/ 263.
وقال تعالى: (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) فاطر/ 41.
قال ابن القيم في "النونية" (2/81) :
وَهُوَ الحليمُ فَلاَ يُعاجِلُ عَبْدهُ … بعُقُوبَةٍ لِيَتُوبَ منْ عِصْيَانِ
وَهُوَ العَفُوُّ فَعَفْوُهُ وَسِعَ الوَرَى … لَوْلاَهُ غَارَ الأرْضُ بِالسُّكَّانِ
وقال السعدي رحمه الله: "الحليم" الذي يُدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة، مع معاصيهم وكثرة زلاتهم، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم، ويستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا" انتهى من "تفسير السعدي"، ص948.
وحلمه سبحانه وسع عباده، ولهذا يمهل الكافرين ويصبر عليهم.
قال الهرَّاس في شرح نونية ابن القيم : "ومن أسمائه سبحانه (الحليم) و (العفو) ؛ فالحليم الذي له الحلم الكامل، الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة؛ رجاء أنَّ يتوبوا، ولو شاء؛ لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم؛ فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم؛ كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} " انتهى.
ثانيا:
هل يقال: حلمه وسع كل شيء، كما أن رحمته وسعت كل شيء؟
لم نقف على ذلك في كلام أهل العلم، والظاهر أن الحلم ليس كالرحمة، وأن الحلم يتعلق بالعصاة والمذنبين، وأما الرحمة فتشمل الطائعين والعاصين، والمكلفين وغيرهم، كالأطفال، والبهائم، والأشجار والنباتات وغيرها.
ورواه مسلم (2725) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وقد جاء التصريح بسعة الرحمة والعلم لكل شيء، كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الأعراف/156، وقال: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) غافر/7.
وعلمه لا يعزب عنه شيء.
وجاء في سعة مغفرته: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم/32.
والمغفرة كالحلم، تتعلق بالمذنبين المكلفين.
فهو واسع الحلم، وواسع المغفرة.
لكن إطلاق: أن حلمه وسع كل شيء، أو أن مغفرته وسعت كل شيء: مما يتوقف فيه.
والله أعلم