هل "ذو المعارج" من أسماء الله الثابتة؟ وهل "الكاشِف" من أسماء الله الثابتة؟
أولًا:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً، وقوله: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.
ولأن تسميته تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه: جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص"، انتهى من "القواعد المثلى" (13).
ثانيًا:
أسماء الله تعالى الحسنى كثيرة غير محصورة في تسعة وتسعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"لما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات؛ كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه، وله سبحانه في كل لغة أسماء، وله في اللغة العربية أسماء كثيرة.
والصواب الذي عليه جمهور العلماء أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة) معناه: أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسمًا، فإنه في الحديث الآخر الذي رواه أحمد وأبو حاتم في صحيحه: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أستأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي وهمي).
وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، فأخبر أنه صلى الله عليه وسلم لا يحصى ثناء عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصي الثناء عليه، لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه"، انتهى من "درء التعارض" (3/332).
ثالثًا:
اعتنى جماعة من العلماء من السلف والخلف بتتبع الثابت من أسماء الله تعالى الحسنى الواردة في القرآن والسنة من غير تقيد بعدد، منهم الأئمة: جعفر الصادق وسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل، والخطابي وابن منده والحليمي وابن حزم وابن العربي، وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر العسقلاني، وغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "جمعها قوم آخرون على غير هذا الجمع – يعني غير حديث الترمذي - واستخرجوها من القرآن، منهم سفيان بن عيينة والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم"، انتهى من "مجموع الفتاوي" (6/380).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قد اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد"، انتهى من "فتح الباري" (11/217).
رابعًا:
قد وقع خلاف بين العلماء المتتبعين للأسماء الحسنى في عدِّها وإحصائها وإثباتها، كما يُعلم من مطالعة كلامهم.
وهذا الخلاف قديم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قد تتبع جماعة من السلف الأسماء الحسنى من القرآن، وفصَّلوها اسمًا اسمًا من سورةٍ سورةٍ على ترتيب المصحف، منهم جعفر الصادق وسفيان بن عيينة وغيرهما، ووقع في ذلك بينهم اختلاف بالزيادة والنقص"، انتهى من "تخريج حديث الأسماء الحسنى" (66).
ولا حرج في هذا الخلاف، ما دام المثبت للاسم قد استنبطه من القرآن أو السنة الصحيحة، فهذا هو معنى التوقيف، ولم يأت نص صحيح بحصر أسمائه تعالى، ولا بتحديد التسعة والتسعين اسمًا، فالعدّ اجتهادي.
قال ابن العربي المالكي رحمه الله متحدِّثا عن التسعة والتسعين اسمًا، وخفائها من بين الأسماء الحسنى الكلية: "والذي أدلكم عليه: أن تطلبوها في القرآن والسنة، فإنها مخبوءة فيهما كما خبئت ساعةُ الجمعة في اليوم، وليلةُ القدر في الشهر؛ رغبةً، والكبائرُ في الذنوب؛ رهبةً؛ لتعُمَّ العبادات اليومَ بجميعه والشهرَ بكليته، وليقع الاجتناب لجميع الذنوب.
وكذلك أخفيَت هذه الأسماء المتعددة في جملة الأسماء الكلية، لندعوه بجميعها، فنصيب العدد الموعود به فيها"، انتهى من "أحكام القرآن" (4/ 340).
وأما سبب اختلاف العلماء في عدّ الأسماء الحسنى، فمرجعه إلى اختلاف مناهجهم ضوابط إثبات الاسم، وينظر للتوسع "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" (114- 128)، للدكتور محمد بن خليفة التميمي.
خامسًا:
1- ذهب عدد من العلماء إلى عدِّ (ذي المعارج) في أسماء الله تعالى الحسنى، منهم: الخطابي، والحليمي، وقوام السنة الأصبهاني، وأبي بكر بن العربي، وابن الوزير، وابن تيمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق عد الأسماء الحسنى:
"ذو المعارج: في قوله لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ"، انتهى من "المستدرك على مجموع الفتاوي" (1/ 56).
وأما معنى اسمه تعالى (ذي المعارج)، فهو: الذي يُصعَد إليه ويُعرَج بالأعمال والأرواح.
قال الحليمي: "ومنها ذو المعارج: وهو الذي إليه يُعرَج بالأرواح والأعمال"، انتهى من "المنهاج في شعب الإيمان" (1/ 210).
وقال قوام السنة في "الحجة في بيان المحجة" (1/ 151): "ومن أسمائه: ذو المعارج، ومعناه: [الذي] تعرج أعمال الخلق إليه، كما قال عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ"، انتهى.
وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص104): "وذو المعارج: المعارج: الدَّرَج، واحدها مَعْرَج، وهو المَصعد. يقال: عرج يعرُج عروجًا، بمعنى: صعِد، ومنه قوله سبحانه: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، وهو الذي يُصْعَد إليه بأعمال العباد، وإليه يُصْعَد بأرواح المؤمنين، على ما جاء في الحديث من عروج الأرواح في المعارج، وهي الطرائق التي يصعد بالدرج فيها"، انتهى.
2- وأما (الكاشف) فممن ذكره في الأسماء الحسنى: الحليمي، والبيهقي.
ودليله قوله تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ.
قال الحليمي في "المنهاج في شعب الإيمان" (1/ 203): "ومنها الكاشف: ولا يُدعى بهذا الاسم إلا مضافًا إلى شيء، فيقال: كاشف الضر أو كاشف الكرب، ومعناه: الفارج والمُجلي، يكشف الكرب ويجلي القلب، ويفرج الهم ويزيح الضر والغم"، انتهى.
وووافقه البيهقي في "الأسماء والصفات" (1/ 105)، فنقل كلامه، ثم ذكر الدليل على ثبوت الاسم، وعدَّ ابن الوزير (كاشف الضُّر) من أسمائه تعالى في إيثار الحق (ص160).
ولا شك أن ربَّنا تبارك وتعالى هو وحده كاشف الضر، ومجيب دعوة المضطر، والحمد لله رب العالمين؛ وأما خصوص "التسمية" بهذا الاسم؛ فهي من محال الاجتهاد؛ وأكثر أهل العلم المعتنين بضبط الأسماء الحسنى: لم يذكروه من جملتها.
والله أعلم.