هل يجوز أن نقول في حق الله تعالى المدير لهذا الكون ؟
أولا:
الله عز وجل خالق الكون، ومالكه، ومدبره، كما قال: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) المؤمنون/88-89، وقال: (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يس/83، وقال: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الملك/1.
وأما المدير، فهو من يتولى إدراة شركة أو مؤسسة بتكليف من غيره، أو بترشيح من موظفيه، فلا يبلغ أن يكون رئيسا أو ملكا!
وتعالى الله أن يكون هناك من يكلفه أو يرشحه، بل هو سبحانه الذي يأمر وينهى ويكلف ويسأل ويحاسب (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء/23.
ويا عجباً؛ مما أحدث الناس، ويحدثون، من التكلفات، والجراءات على مقام رب العالمين، جل جلاله؛ وهو تعالى، كما قال لعباده: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ﴾ الشورى/11.
وقد روى أبو داود (4726) وغيره، عن محمد بن إسحاق، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتْ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟) وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: (وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا) وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ (وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ).
فشأن الله أعظم من ذلك، وشأن الله جل جلاله، أن يقال فيه ما يقال في حق آحاد الناس، وعامتهم؛ أو أن يمدح بذلك، ويوصف به.
ثانيا:
أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس من أسمائه المدير.
ولا نرى إطلاقه على الله من باب الإخبار، ولا إطلاق ما هو أعلى منه كالرئيس، فلا يقال: مدير الكون، ولا رئيس الكون؛ لأنه دون ما يستحقه سبحانه من الكمال، ولإيهامه النقص، وأنه كالمدراء والرؤساء الذين يكلّفون أو يحاسبون، تعالى الله عن ذلك.
فالواجب تعظيم الله وتوقيره، ووصفه بما وصف به نفسه، والكف عن الاختراع والتكلف الذي يقود إلى وصف الله بما لا يليق به سبحانه، وقد قال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
والله أعلم.