هل شهادة الرجل (الزوج) تكفي لإثبات الرضاعة، إذا كانت المرأة التي قامت بذلك قد نسيت كم مرة أرضعت الطفل؟
هل يجبُ أن يكون حاضرًا عند الرضاعة؟
ماذا لو غادر بعد فترة من بَدء الرضاعة، لكنه زعم أنه تأكَّد من أنَّ الرضاعة حدثت أكثر من خمس مرات، وقَدِّم بعض المعلومات الإضافية، مثل أنَّ زوجته أرضعت الطفل طوال الليل بعد الولادة، ثم أرضعت الطفل لمدة 1-2 أو 2-3 أيام إضافية ـ جزءا من اليوم ـ وشهد بذلك؟
هل يجب استجوابه أكثر، مثل إذا كان كلامه مبنيّا على المعلومات التي قدَّمها أو أقسم يميناً؟
ملاحظة: الشخص حسن السيرة ومعروف بذاكرته القوية.
أولا:
الرضاع الموجب للتحريم: ما كان خمس رضعات، في الحولين.
وحد الرضعة مختلف فيه، والأظهر أنها كالوجبة، فلو انتقل من ثدي إلى ثدي: فهي رضعة واحدة، وكذا لو قطع الرضعة لتنفس، أو لشيء ألهاه، ثم عاد إليه من قريب، فهي رضعة واحدة.
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (5/ 575): " الرضعة: مرة من الرضاع بلا شك، كضربة وجلسة وأكلة، فمتى التقم الثدي، فامتص منه، ثم تركه من غير عارض: كان ذلك رضعة؛ لأن الشرع ورد بذلك مطلقا، فحُمل على العرف، والعرف هذا.
والقطع العارض لتنفس أو استراحة يسيرة أو لشيء يلهيه، ثم يعود عن قرب: لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الآكل، إذا قطع أكلته بذلك، ثم عاد عن قريب: لم يكن أكلتين، بل واحدة. هذا مذهب الشافعي. . .
ولو انتقل من ثدي المرأة إلى ثديها الآخر كانا رضعة واحدة " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (12/ 114): " فما هي الرضعة المحرمة، هل هي المصة، بحيث لو أن الصبي مص خمس مرات، ولو في نَفَس واحد ثبت التحريم؟ أو الرضعة أن يمسك الثدي ثم يطلقه ويتنفس ثم يعود؟ أو أن الرضعة بمنزلة الوجبة، يعني أن كل رضعة منفصلة عن الأخرى، ولا تكون في مكان واحد؟
في هذا أقوال للعلماء ثلاثة، والراجح الأخير، وهو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ؛ ووجه ذلك أننا لا نحكم بتحريم المرأة ـ مثلاً ـ إلا بدليل لا يحتمل التأويل، ولا يحتمل أوجهاً أخرى، وهذا الأخير لا يحتمل سواه؛ لأن هذا أعلى ما قيل" انتهى.
ثانيا:
ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الرضاع يثبت بشهادة المرأة الواحدة المرضية، وبشهاد الرجل العدل، دون يمين.
قال البهوتي رحمه الله في " كشاف القناع " (5/457) : " ( وإن شهد به ) أي الرضاع ) امرأة واحدة مرضية على فعلها ) بأن شهدت أنها أرضعته خمسا في الحولين ( أو ) شهدت امرأة مرضية على ( فعل غيرها ) بأن شهدت أن فلانة أرضعته خمسا في الحولين ( أو ) شهد بذلك ( رجل واحد: ثبت ) الرضاع ( بذلك، ولا يمين ) على المشهود له ، ولا على الشاهدة ؛ لما روى عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمة سوداء فقالت : قد أرضعتكما. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال : ( وكيف وقد زعمت ؟ فنهاه عنها ) ، وفي رواية ( دعها عنك ) رواه البخاري ...
وغيرُ المرضية: لا تُقبل " انتهى .
والجمهور على أن الرضاع لا يثبت إلا بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين.
وينظر: "الموسوعة الكويتية" (22/ 253).
فإذا كان هذا الزوج عدلا، غير معروف بالفسق، وشهد بحصول خمس رضعات-على الخلاف في حد الرضعة-: ثبت التحريم، بناء على مذهب الحنابلة، ولم يثبت التحريم عند الجمهور، حتى يشهد معه رجل آخر أو يشهد معه امرأتان.
وقد دلت السنة على ثبوت الرضاعة بشهادة امرأة واحدة، كما في حديث عقبة بن الحارث، وهو ما يرجح مذهب الحنابلة، فإن شهادة الرجل أقوى من شهادة المرأة، والرضاع يطلع عليه الرجل كثيراً، لاسيما إذا كان يشهد على رضاع امرأته.
والله أعلم.