0 / 0
26/رمضان/1446 الموافق 26/مارس/2025

ما وجه الاختلاف بين قوله تعالى: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)، وقوله (يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ )؟

السؤال: 557911

قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍۢ مِّنَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ)، وقال تعالى: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَـٰثَةِ ءَالَـٰفٍۢ مِّنَ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ) ١٢٤.
ألف ملك ثم يقول ثلاثة آلاف ملك، أليس هذا تناقضاً؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

كلام الله تعالى منزه عن التناقض؛ لأنه كلام من العليم الخبير الخالق لكل شيء، فكيف يقع التناقض في خبره؟!

وإنما يقع التناقض في كلام الإنسان، لنسيانه أو جهله أو كذبه، وتعالى الله عن ذلك كله.

قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء/82.

ثانيا:

قوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) الأنفال/9.

هذا في غزوة بدر، أمدهم الله بألف من الملائكة.

وقوله تعالى: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) آل عمران/124، 125.

هذا في غزوة أحد، كما قال جماعة من المفسرين، كمجاهد، وعكرمة، والضحاك، والزهري، وموسى بن عقبة وغيرهم، لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف؛ لأن المسلمين فروا يومئذ -زاد عكرمة: ولا بالثلاثة الآلاف؛ لقوله: بلى إن تصبروا وتتقوا، فلم يصبروا، بل فروا، فلم يُمَدُّوا بملك واحد.

وعلى هذا فالآية متعلقة بما قبلها وهو قوله: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) آل عمران/121، 122.

قال القاضي عبد الجبار بن أحمد، رحمه الله:

"وقد سأل الخصومُ، فقالوا: إذا كان الملائكة ثلاثة آلاف، أو خمسة، والمسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر؛ فكيف لم يصطلموا عدوّهم، وإنما هم في نحو ألف؟

وكيف لم يُعِنْه بالملائكة يوم أحد، وقد قتل أصحابه، وهو قد كان يوم أحد إلى الملائكة أحوج؟

قيل له: قد علمنا بما قدمنا أن الملائكة قد شهدتهم يوم بدر، بدلالة امتنانه على المسلمين بذلك، والعدوّ والولي يسمعه، فليس في سؤاله قدحٌ في هذا العلم. فإن بيّنا وجه حضورهم [=يعني: الحكمة في حضورهم]؛ فمن طريق التطوع، وهو: أنه ليس في حضور الملائكة عليهم السلام سقوطُ الفرض عن المسلمين في مجاهدة عدوّهم، ولا إذن الله لهم في محاربة العدو، ولكنهم حضروا ليثبتوا الذين آمنوا، وليرغبوا الذين كفروا، وليقتلوا الواحد بعد الواحد، تثبيتا للمؤمنين، وإرعابا للكافرين، وإيضاحا للمعجزات. وكذا قال الله، وقد ذكر نزول الملائكة: (وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ). وقال في موضع آخر في هذه القصة: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) .

وأما قصة أحد، فليس إذا أنزل الله الملائكة يوم بدر، وجب أن يُنزلهم يوم أحد، وليس إذا عافى الله نبيه وقتًا، وجب أن يعافيه في كل وقت؛ بل قد يمتحنه بالمرض في وقت، ويكلفه الصبر، وكذا ينصر وقتا بالملائكة، ويخليه من ذلك وقتا آخر، فتشتد محنته، ويلزمه الصبر.

وإنما يُسأل عن هذا، من ادعى أن الله ينصر أنبياءه في جميع مواطنهم بالملائكة.

وهذا سؤال يذكره ابن الراوندي، بعد موافقته أبي عيسى الوراق وابن لاوى اليهودي، وأمثالهم من الملحدة، وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا غاية كيدهم. وقد بذلوا جهدهم، واستفرغوا وسعهم، فما فضحوا بذلك إلا أنفسهم، ولو سكتوا لكان أستر لهم، ولو آمنوا لكان خيرًا لهم. لتعلم أن الإسلام نورٌ لا يُطفأ، وأن مطاعن الخصوم فيه لا تزيده إلا قوة، كالذهب الذي لا يكلف، وكلما سبكته وعرضته على النار زاد جودة وصفاء.

وقد كان أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمانه من قريش، واليهود والنصارى أكبر عقولًا، وأشد كيدًا، وأكثر شغلا بالتتبّع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب عثراته، ولهم فضل المشاهدة؛ فلو وجدوا مطعنا لسبقوا إليه، ولوقفوا عليه. فقد كان ينبغي لهؤلاء المتأخرين من أعدائه أن يعلموا، هذا فيُمسكوا، ولكن الجهل والغباء قد سد مسامعهم، وغطّى على أبصارهم، ويأبى الله إلا فضيحتهم، وهتيكتهم". انتهى، من "تثبيت دلائل النبوة" (2/406-407).

وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن إنزال الثلاثة آلاف كان في بدر أيضا، وهو قول الحسن البصري، وعامر الشعبي، والربيع بن أنس، وغيرهم. واختاره ابن جرير.

وذلك أن الله ذكر بدرا قبلها، فقال: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آل عمران/123

ولا تعارض مع الإخبار بإمدادهم بألف في سورة الأنفال، فقد أمدهم بألف، ثم أمدهم بثلاثة، ثم أكملهم حتى صاروا خمسة، فأولَ ما استغاثوا، وعدهم أن يمدهم بألف فقال: (ممدكم بألف)، وأطمعهم في الزيادة بقوله: (مردفين) أي مردفين ملائكة أخرين بعدهم، ثم زادهم حتى بلغوا خمسة آلاف، والتعارض إنما يكون لو قال: لم يمدهم إلا بألف.

قال ابن كثير رحمه الله: " وقال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف.

فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية -على هذا القول-وبين قوله تعالى في قصة بدر: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم [الأنفال:9، 10]؟

فالجواب: أن التنصيص على الألف هاهنا، لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها؛ لقوله: مردفين بمعنى يردفهم غيرهم، ويتبعهم ألوف أخر مثلهم" انتهى من تفسير ابن كثير (2/ 112).

وقال الطاهر ابن عاشور رحمه الله: " ووجه الجمع بين الآيتين: أن الله وعدهم بألف من الملائكة، وأطمعهم بالزيادة بقوله: (مردفين) [الأنفال:9]؛ أي مردفين بعدد آخر.

ودل كلامه هنا على أنهم لم يزالوا وجلين من كثرة عدد العدو، فقال لهم النبيء صلى الله عليه وسلم: ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين؛ أراد الله بذلك زيادة تثبيتهم، ثم زادهم ألفين إن صبروا، واتقوا.

وبهذا الوجه: فسر الجمهور، وهو الذي يقتضيه السياق" انتهى من "التحرير والتنوير" (4/ 73).

والحاصل: أنه على القول بأن الثلاثة إنما كانت في غزوة أحد، فالأمر ظاهر.

وعلى القول بأنها كانت في بدر، فلا تعارض، فقد وعدهم أولًا بألف، ثم زادهم حتى بلغوا خمسة آلاف.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
ما وجه الاختلاف بين قوله تعالى: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)، وقوله (يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ )؟ - الإسلام سؤال وجواب