رجل ملتزم يحافظ على النوافل ، ويتقي الله قدر الاستطاعة ، مريض منذ صغره بحب تفريغ الشهوة في تشبهه بالنساء ولبس أشيائهن ، فهل عليه إثم ؟ ومع الالتزام امتنع فعليّاً عن هذا الداء ، ولكن بقيت أفكار الذل للنساء والتشبه بهن مع إمكانية خروج مني أو مذي . فهل عليه إثم ؟ وهل التمادي في الأفكار فقط دون إنزال عليه إثم ؟ وإن كان الحل في الزواج فهل يخبر زوجته ؟ أو يستطيع أن يمارس معها التشبه إن وافقت ؟ أرجو الإجابة بالتفصيل فكم تاب والله من هذا الداء ولكن غلبته نفسه ، فما زال يصرف غالب شهوته فيه ؟ أفيدونا فأنا والله أخشى على ديني ؟
مبتلى بحب التشبه بالنساء
السؤال: 81994
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
جاءت شريعتنا بتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال ، بل وجاء التغليظ في النهي عن ذلك حتى لعن النبي صلى الله عليه وسلم أولئك المخالفين للفطرة التي خلقهم الله تعالى عليها .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ ، وَقَالَ : أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ ) . رواه البخاري ( 5885 ) .
ولا شك أن من أبين مظاهر تخنث الرجل لبسه ما تلبس النساء ، وتقليده لهن في عاداتهن .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ ) رواه أبو داود ( 4098 ) وصححه النووي في " المجموع " ( 4 / 469 ) ، والألباني في " صحيح أبي داود " .
وقالت ِعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ )
رواه أبو داود ( 4099 ) وحسَّنه النووي في " المجموع " ( 4 / 469 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال المناوي رحمه الله :
"فيه كما قال النووي : حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه ؛ لأنه إذا حرم في اللباس ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح ، فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبه ، بل يفسق فاعله للوعيد عليه باللعن" انتهى .
" فيض القدير " ( 5 / 343 ) .
إذا تقرر هذا علمنا أن حكم الشريعة في هذا النوع من " الشذوذ " الجنسي هو التحريم ، بل هو من كبائر الذنوب ، فلا يجوز ممارسته لا مع نفسه ولا مع زوجته ؛ فإن مخالفة الفطرة التي خلق الله الناس عليها لا تأتي إلا بالويل والفساد ، والله سبحانه خلق الرجل بصفات الرجولة التي لا تحتمل لباس النساء ولا تحتمل التشبه بتصرفاتهن .
ولا شك أن من يتطلب التخنث بل ويستمتع به ويراه محققا لشهوته هو من المرضى الذين يصنف الأطباء مرضهم ضمن الشذوذ ، ويسمونه شذوذ " الفيتشية " أو " الأثرية " ، ولهم برامج عملية وسلوكية في علاج مثل هذه الحالات التي تعرض عليهم ، فينبغي على كل مبتلى بمثل هذا السلوك ألا يتردد في مراجعة الطبيب النفسي كي يشرف عليه في علاجه من مرضه ذلك .
ونحن لا نملك إلا أن نُذكِّرَه بالله سبحانه وتعالى ، وأن نجعل الوازع الديني عاملاً إيجابيّاً مؤثراً في تخلصه من ذلك الوسواس السيء ، وليتذكر غضب الله ومقته للرجال المخنثين ، وأنه سبحانه مُطَّلع على أحوالهم ، وأن الدنيا أيام معدودة ما أسرع ما تنقضي لذاتها ويبقى للمرء عمله وسعيه في الآخرة .
ونذكره بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى ، فهو خير معين ومسؤول ، وإذا صدق العبد في دعائه والاستعانة به والالتجاء إليه صَدَقَه الله بإجابة دعائه وإزالة شكواه ، ولكن مِن صِدقِ الدعاء الصدقُ في الأخذ بالأسباب ، والحرصُ والمجاهدةُ والمصابرةُ حتى يتوصل إلى الشفاء التام ، ويتخلص من هذه الممارسات السيئة المحرمة ، وله في المجاهدة والمصابرة أجر عند الله سبحانه وتعالى .
وأفضل ما يساعد على التخلص من تلك الميول هو الزواج ؛ فهو يفتح المجال للإشباع الجنسي السليم والحلال ، وفي انتظار ذلك ليشغل نفسه عن الشهوات بملء الوقت بالعبادات والعادات المفيدة النافعة ، وليحرص على الصوم ، فإنه مفيد في تقوية التحكم بالإرادة ، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري ( 1905 ) ومسلم ( 1400 ) .
ومن أهم ما يعينه : مراعاة حدود الله ، بلجم البصر عن الانطلاق في عورات الناس ، ولجم النفس عن تمني شهواتهم ، فإن إطلاق النظر في الحرام أساس كل بلية ، وهو الذي يجر على الإنسان تلك العادات السيئة الشاذة التي يراها في بعض الشاذين .
قال ابن القيم رحمه الله :
"فإن النظرة تولد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع ، وفى هذا قيل : الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده" انتهى .
" الجواب الكافي " ( ص 106 ) .
وليعلم أن التفكير في هذا النوع من الشذوذ لا بد وأن يجر إلى ممارسته ، فلا بد أن يصرف نفسه عن ذلك التفكير ، وينشغل بتحقيق اللذة المباحة السليمة مع الزوجة ، ولا يحاول أن يعلق تحقيقها على تلك الممارسات السيئة ، فذلك من وسواس الشيطان ، ولا شك أن أكمل اللذات هي التي تتحقق بما يوافق الفطرة التي خلق الله الناس عليها .
ونسأل الله تعالى أن يهديك سواء السبيل .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب