إنني فتاه ملتزمة ، ولله الحمد ، ولقد حدثت بيني وبين زوجي – الذي لي منه ابنة – مشكلة ذهبت بسببها إلى بيت والدي ؛ حيث إنه شك فيَّ واتهمني في عرضي وشرفي بدون أي أسباب مقنعة ، ثم يعتذر ، ويرجع مرة أخرى للاتهامات ، وتكرر ذلك منه عدة مرات ؛ مما أكد لي أن به مرض الوسواس ، فلم أعد أحتمل ، فذهبت إلى أهلي ، وبعد ذهابي إليهم مكثت عندهم أربعة أشهر ، لم يزدد فيها زوجي إلا عناداً وإصراراً على موقفه بدون إثبات أي دليل ضدي ، وبعدما ذهب إليه أخي للتفاهم معه وجده مصرّاً على موقفة ، وأنه يطلب مني أن أستتاب ، وازداد الموقف سوءًا بينهما ، وأساء إلى والدي وإلى تربيته لي ، عندها أصرَّ أخي ووالدي على طلاقي منه ، وإلا فسوف يحيل مشكلتنا للقضاء ، وعليه أن يثبت ما لديه من اتهامات ضدي ، فطلب زوجي مقابل طلاقه لي نصف المهر ، ولكن بعد فترة طلقني من غير أن نعطيه أي مبلغ ، وسكت هو عن ذلك ، ولم يعد يطالب مرة أخرى بالمال .
والآن ، قد عوضني الله بزوج آخر ملتزم ، ولله الحمد ، وقد نبهني زوجي الثاني إلى أنه قد يكون لزوجي الأول مال لدي ، وبسبب خشيتي من الحرام وأكل مال الناس وحقوقهم ، أرجو إفتائي في هذا الأمر ، مع العلم أنني لا أملك ذلك المال ، وأنني لم أطالبه بأي مصاريف لابنته ، وهو أحيانا يرسلها ، وأحيانا لا يرسل ، فهل له أي حق مالي عندي ؟.
طلقها مقابل نصف المهر بعد أن قذفها فهل له الحق في هذا المال ؟
السؤال: 83613
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
قذف الزوج زوجتَه واتهامها بشرفها من كبائر الذنوب ، وهو موجب للحدِّ ورد شهادته ، ولا بدَّ له من بينة شرعية لإثبات الفاحشة ، أو يلاعن .
قال ابن قدامة – رحمه الله – :
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان : لزمه ذلك كله ، وبهذا قال مالك ، والشافعي …
[ ويدل لذلك ] : قول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه .
وأيضا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ ) ، وقوله لما لاعن : (عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة ) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة ، كالأجنبي . ” المغني ” ( 9 / 30 ) .
وعليه : فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي زوجته ، وعليه أن يكف عن الكلام المسيء ، والكلام على زوجته طعن في شرفه وعرضه هو ، وعليه أن يكذِّب نفسه ويبرئ زوجته مما افتراه عليها ، فإن لم يفعل فإنه مستحق لما رَّتبه الله تعالى على فعله من الحد ورد الشهادة والفسق ، ولها حق طلب الطلاق منه ، وعليه أن يؤدي لها حقوقها كاملة .
ثانياً :
التضييق على الزوجة باتهامها بالباطل وإيذائها وضربها لتتنازل عن مهرها أو عن شيء منه يسمى ” العضل ” ، وهو محرَّم إلا أن تأتي بفاحشة مبينة ، فإن فعل الزوج فإنه غير مستحق لما تتنازل عنه زوجته ، ويجب عليه أن يرجعه لها ، وإن رفض تطليقها فلها أن تفتدي نفسها منه وتتنازل عن مهرها أو أقل أو أكثر ، فإن كان كاذبا ظالماً فما أخذه منها سحت وحرام ، وإن كان صادقاً فما أخذه حلال له ، على أن يُثبت ما يستوجب الحد بشهود أربعة أو ملاعنة ، وهذا في حال أنه يشهر بها ويقذفها علانية ، أما إذا رأى فاحشة عليها فيما بينه وبين ربه ، فإن له أن يعضلها ليضيق عليها لتفتدي نفسها .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
عن رجل اتهم زوجته بفاحشة ؛ بحيث إنه لم ير عندها ما ينكره الشرع ، إلا ادَّعى أنه أرسلها إلى عرس ثم تجسس عليها فلم يجدها في العرس ، فأنكرت ذلك ، ثم إنه أتى إلى أوليائها وذكر لهم الواقعة ، فاستدعوا بها لتقابل زوجها على ما ذكر ، فامتنعت خوفا من الضرب فخرجت إلى بيت خالها ، ثم إن الزوج بعد ذلك جعل ذلك مستندا في إبطال ، حقها وادعى أنها خرجت بغير إذنه ، فهل يكون ذلك مبطلا لحقها ، والإنكار الذي أنكرته عليه يستوجب إنكارا في الشرع ؟ .
فأجاب :
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيق عليها حتى تعطيه بعض الصداق ، ولا أن يضربها لأجل ذلك ، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة كان له أن يعضلها لتفتدي منه ، وله أن يضربها ، وهذا فيما بين الرجل وبين الله .
وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو ، فيعينونه عليه فإن تبين لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه ، فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه ، وإذا قال إنه أرسلها إلى عرس ولم تذهب إلى العرس فليسأل إلى أين ذهبت ، فإن ذكر أنها ذهبت إلى قوم لا ريبة عندهم وصدقها أولئك القوم ، أو قالوا لم تأت إلينا ، وإلى العرس لم تذهب ؛ كان هذا ريبة ن وبهذا يقوى قول الزوج .
وأما الجهاز الذي جاءت به من بيت أبيها ، فعليه أن يرده عليها بكل حال ، وإن اصطلحوا فالصلح خير .
ومتى تابت المرأة جاز لزوجها أن يمسكها ولا حرج في ذلك ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
وإذا لم يتفقا على رجوعها إليه فلتبرئه من الصداق وليخلعها الزوج ؛ فإن الخلع جائز بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى ( فان خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) .
” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 283 ، 284 ) .
ثالثاً :
والذي يظهر لنا أنه لا حق له عندكِ ، وأن ما طلبه من نصف المهر ليس حقّاً شرعيّاً له ، ويبدو أنه راجع نفسه أو أن أحداً أخبره بذلك ، ولذلك لم يطالب به ، كما أنه قد يكون جعل نصف المهر مقابل رعايتك لابنته ونفقتك عليها .
وبكل حال : فهو لم يأتِ بشهود على ما قذفك به ، ولم يلاعن ، ولم يرَ شيئاً يجعله غير آثم بينه وبين ربه ، وكل ذلك يجعل الحق لكِ لا له – بحسب سؤالك وما جاء فيه – ، فليس له ما اشترطه من نصف المهر .
وبارك الله لك في زوجك الجديد الذي يسره الله لكِ ؛ وجزاه خيرا على ما وجهك للسؤال والاستفسار عن حقوق زوجك الأول ، وهو يدل على خلق عظيم ودين متين .
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء ، وأن يجعله خير خلَفٍ لك ولابنتك ، وأن يجمع بينكما في خير ، وأن يرزقكما ذرية طيبة .
ونسأل الله تعالى أن يوفق زوجك الأول للتوبة الصادقة ، وأن يشفيه إن كان مريضاً ، وأن يخلف عليه خيراً .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب