أشغلها العشق وأثَّر عليها فهل تراجع طبيبا نفسيّاً ؟
السؤال: 83724
أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري ، وإني مولعة بشخص ، ولكنني أعرف أن هذا الحب حرام في الدين الإسلامي ، وأعرف أنه لا يحبني ، ولكن لا جدوى من نسيان هذا للمرض حتى أنني عندما فكرت في نسيانه واجهتني مشاكل البحث عن حب جديد ، وقد بدأت أفكر في المتزوج والعازب والصديق وابن العم … الخ ، حتى وقعت في الكثير من عدم الثقة بنفسي ، والتفكير الكبير في هذا الموضوع قد بدأ يقلقني حتى أصبحت أفكر أن هناك سحراً وأريد أن أذهب إلى شيخ ولكن مترددة قليلا ، ولا أعرف ماذا أفعل ، والآن أريد أن أذهب إلى الطبيب النفسي ، فهل هذا حرام وأنه لجوء إلى غير الله تعالى ؟ ولكن لا أعرف أيضا ما حل هذه المشكلة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ليست قضيتك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ قضية سحر ونفث ، حتى
تحتاجي إلى الذهاب إلى راق يرقيك ، وليست قضية مرض نفسي أو عصبي ، حتى تحتاجي إلى
الذهاب إلى الطبيب ؛ إنما قضيتك قضية قلب أصابه مس من الشيطان ووسواسه ، وألقى فيه
جمارا من العشق الحرام ، وأنت رحت تشعلين جذوة الشهوة بسهام النظر المسمومة ،
والخيالات الفاسدة ، والأماني الكاذبة ، حتى وصل بك الحال إلى ما ترين من المرض !!
قال ابن القيم رحمه الله : فصل : في هديه صلى الله عليه وسلم في
علاج العشق
( هذا مرض من أمراض القلب ، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه
وعلاجه ، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء دواؤه وأعيى العليل داؤه .. )
ثم قال : ( وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة
الله تعالى ، المعرضة عنه المتعوضة بغيره عنه ؛ فإذا امتلأ القلب من محبة الله
والشوق إلى لقائه ، دفع ذلك عنه مرض عشق الصور ؛ ولهذا قال تعالى في حق يوسف :
( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين
) يوسف/24 ، فدل على
أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته
؛ فصرف المسبب صرف لسببه ، ولهذا قال بعض السلف : العشق حركة قلب فارغ .. )
زاد المعاد (4/265، 268) .
فاعلمي أيتها السائلة ، صانك الله عن أسباب غضبه ، أن أصل هذا
الداء يبدأ من النظرة المحرمة ، التي هي رسول البلاء ، وبريد الداء إلى القلب ، ثم
القلب يسرح في خيالاته ، حتى يصل إلى تمني الحرام أو تخيله ، كما قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ
حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ
النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي
وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ) رواه البخاري (6243) ومسلم
(2657)
وحينئذ ، فالواجب عليك سد الطريق الموصلة إلى هذا الداء ، والبعد
عن أماكن البلاء والعدوى ، ولهذا أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يغضوا من
أبصارهم : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
) النور/ 30-31 .
وأعظم ما يعين العبد على حفظ فرجه ، أن يجعله فيما أحل الله له ،
فيتزوج ، إن كان ذلك ميسورا له ، وقد تعلق قلبه بإنسان معين ، يمكنه الزواج منه .
كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لمْ يُر للمتحابيْن مثل النكاح ) –
رواه ابن ماجة ( 1847 ) وصححه الألباني في ” صحيح سنن ابن ماجه ”
وإن كان له تعلق بأمر الزواج ، من أجل تحصيل العفة ، وإحصان
الفرج ، من غير أن يكون تعلقه بإنسان معين ، فهذا يكون أسهل له ، ويمكنك ـ حينئذ ـ
أن تسعي في التعجيل بأمر زواجك ، وتذليل العقبات التي تحول دونه ، ولا حرج عليك ولا
عيب في السعي في تحصيل العفة ، وإحصان نفسك ، ويمكنك أن تستعيني في تحصيل ذلك بمن
تثقين منه من أخت ، أو قريبة صالحة ، أو والدة تتفهم أمرك .
وحتى يتم لك ذلك ، فاشغلي قلبك وبدنك بطاعة الله تعالى ، وضيقي
مداخل الشيطان إلى قلبك ، ولا تتركي له فرصة من غفلة ، أو فكرة شاردة . قال صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ
الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ
، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )
رواه البخاري (1905) ومسلم (1400)
والباءة : أعباء الزواج وتبعاته , وقوله وجاء : مراده أن الزواج
يقطع الشهوة .
ثم اعلمي أن من أنفع الدواء ، وأرجى الأسباب لمن ابتلي بذلك :
صدق اللجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ، وأن يطرح نفسه بين يديه على بابه ،
مستغيثا به متضرعا متذللا مستكينا ؛ فمتى وفق لذلك فقد قرع باب التوفيق ، فليعف
وليكتم ..
قال صلى الله عليه وسلم : ( .. وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ
يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ
يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ )
رواه البخاري (6470) ومسلم (1053) .
وأنتِ يا أختنا السائلة تعلمين أن الطرف الآخر لا يبادلك الشعور
نفسه ، وتعلمين أنه لا مصير لك للزواج منه ، فما تفعلينه حرام ، وسفه في العقل ،
وأنتِ لا تزالين في مقتبل عمرك ، والطريق أمامك سهل يسير أن تنعمي بحبٍّ شرعي من
زوج صالح ، فلا تُشغلي نفسك بما حرَّم الله عليكِ .
وقد بيَّنا في جواب السؤال رقم (
21677 ) ما هو الأحسن في
علاج القلق ، وفيه وصايا مهمة ، لا بدَّ من أن تتأمليها ، وفيه بيان جواز العلاج
عند الطبيب النفسي ، مع أننا لا نرى لكِ ذلك ؛ لأن داءكِ معروف وأنت سببه ، وعلاجك
هو بما ذكرناه لك ونصحناك به .
وذكرنا في جواب السؤال رقم (
10254 ) مسألة امرأة
متعلقة بشاب في المدرسة وتريد حلاًّ ، فانظري – كذلك – في جوابها ، ولعلك أن
تستفيدي .
ونسأل الله تعالى أن يحبب إليكِ الإيمان وأن يزينه في قلبك ، وأن
يكرِّه إليكِ الكفرَ والفسوق العصيان ، وأن يهديك لأحسن الأقوال والأفعال ، وأن
ييسر لكِ زوجاً صالحاً وذرية طيبة .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة