طلبت إلي إحدى الأخوات أن أنقل إليكم رسالتها هذه لمعرفة رأي الشرع فيها وهي كالتالي : تقول إن زوجها كان رب العمل في فيلا مصادرة من مسئول سابق ، وهي تتبع الدولة حاليا ، حيث إنه قام بأخذ بعض الأواني التي كانت موجودة بقبو داخل هذه الفيلا ، وزوجها الآن متوفى ، فما العمل : هل تقوم بتكسير الأطباق أو تتصدق بثمنها وكيف تقدر ثمنها ، أفيدونا رحمكم الله .
أخذ مالا من فيلا صادرتها الدولة فكيف يرد المال ؟
السؤال: 85266
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لقد أخطأ الزوج المسئول عنه في أخذ هذه الأواني ، سواء كانت مملوكة لشخص أو للدولة ، فإن مال الدولة ملك لعامة المسلمين ، والاعتداء عليه اعتداء على المال العام ، وهو أمر خطير ، وذنب كبير ، وكان الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يرد ما أخذ ، ونسأل الله أن يغفر له ، ويتجاوز عنه . وقد روى أحمد (20098) عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) وقال الأرنؤوط : حسن لغيره .
ثانيا :
يلزم الزوجة أن ترد الأواني إلى محلها ، ولو سبب ذلك حرجا لها ، لما في هذا من التخفيف عن زوجها ، وخلاصها هي من إثم الاحتفاظ بالمال الحرام ، ولا يجوز لها تكسير الأواني بحال من الأحوال ، فإن لم يمكن إرجاعها ، أو غلب على الظن حدوث مفسدة أكبر بإرجاعها ، فإنها تجعلها في منفعة عامة للمسلمين ، أو تبيعها وتجعل ثمنها في تلك المنافع ، أو تتصدق به .
وإذا عُلم أن مصادرة الفيلا وما فيها كان بغير حق ، فإن الأواني ترد إلى صاحبها ( المسئول السابق) ، إن أمكن ، فإن لم يمكن الوصول إليه ولا إلى ورثته ، فيُتصدق بها أو بثمنها عنه .
قال في “المجموع” (9/428) : ” قال الغزالي : إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه : فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله , فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه , وإن كان لمالكٍ لا يعرفه ، ويئس من معرفته ، فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة , كالقناطر والربط والمساجد ومصالح طريق مكة , ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه , وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء , وينبغي أن يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفا ، فإن لم يكن عفيفا لم يجز التسليم إليه , … وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حراما على الفقير , بل يكون حلالا طيبا , وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا , لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم , بل هم أولى من يتصدق عليه , وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته لأنه أيضا فقير . وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب , وهو كما قالوه , ونقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف : عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع , لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر , فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين , والله سبحانه وتعالى أعلم .
قال الغزالي : إذا وقع في يده مال حرام من يد السلطان : قال قوم : يرده إلى السلطان , فهو أعلم بما يملك , ولا يتصدق به , واختار الحارث المحاسبي هذا . وقال آخرون : يتصدق به إذا علم أن السلطان لا يرده إلى المالك ؛ لأن رده إلى السلطان تكثير للظلم , قال الغزالي : والمختار أنه إن علم أنه لا يرده على مالكه فيتصدق به عن مالكه .
(قلت) [ القائل : الإمام النووي ] : المختار أنه إن علم أن السلطان يصرفه في مصرف باطل ، أو ظن ذلك ظنا ظاهرا لزمه هو أن يصرفه في مصالح المسلمين ، مثل القناطر وغيرها فإن عجز عن ذلك أو شق عليه لخوف أو غيره , تصدق به على الأحوج , فالأحوج , وأهم المحتاجين ضعاف أجناد المسلمين ، وإن لم يظن صرف السلطان إياه في باطل ، فليعطه إليه أو إلى نائبه ، إن أمكنه ذلك من غير ضرر , لأن السلطان أعرف بالمصالح العامة وأقدر عليها , فإن خاف من الصرف إليه ضررا صرفه هو في المصارف التي ذكرناها ، فيما إذا ظن أنه يصرفه في باطل ” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” لو أن إنسانا سرق مالا ثم مات فإنه لا يحل للوارث ، ثم إن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه ، وإلا تصدق به عنه “انتهى من : “لقاءات الباب المفتوح” (1/304).
وقال أيضا : ” … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه ، وتقول : إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول : أنا سرقت منك كذا وكذا ، وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر ، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق/2 ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/4 .
فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو : فهذا أيضاً أسهل من الأول ؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه ، وحينئذٍ تبرأ منه ” انتهى من ” فتاوى إسلاميَّة ” ( 4 / 162) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب