0 / 0

غض البصر

السؤال: 85622

ما معنى غض البصر ؟.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

غض البصر في اللغة يعني كفه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر .

يقول ابن فارس في “معجم مقاييس اللغة” (4/307) :

” الغين والضاد ، يدلُّ على كفٍّ ونَقْص، (مثل) غضُّ البصر ، وكلُّ شيءٍ كففتَه فقد غَضَضْته ” انتهى .

ويقول ابن منظور في “لسان العرب” (7/196) :

” وغَضَّ طَرْفَه وبَصره : كفَّه وخَفَضَه وكسره . وقيل : هو إِذا دانى بين جفونه ونظر ” انتهى

ثانيا :

وهو في الشرع يشمل أمورا عدة :

1- غض البصر عن عورات الناس ، ومن ذلك زينة المرأة الأجنبية .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله “مجموع الفتاوى” (15/414) :

” والله سبحانه قد أمر فى كتابه بغض البصر وهو نوعان : غض البصر عن العورة . وغضه عن محل الشهوة .

فالأول كغض الرجل بصره عن عورة غيره .

وأما النوع الثاني من النظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية ، فهذا أشد من الأول ، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير ، وعلى صاحبها الحد … لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهى الخمر ” انتهى .

2- غض البصر عن بيوت الناس وما أغلقت عليه أبوابهم :

يقول ابن تيمية “مجموع الفتاوى” (15/379) :

” وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات ، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس ، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه ، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان ، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التى على البدن ” انتهى .

ويقول ابن القيم رحمه الله في “مدارج السالكين” (1/117) :

” ومن النظر الحرام النظر إلى العورات ، وهي قسمان : عورة وراء الثياب . وعورة وراء الأبواب ” انتهى .

3- غض البصر عما في أيدي الناس من الأموال والنساء والأولاد والمتاع ونحوها .

قال تعالى : ( لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الحجر/88

قال ابن سعدي في “تفسيره” (434) :

” أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون ، واغترَّ بها الجاهلون ، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم ” انتهى .

وقال أيضا (ص/516) :

” أي : لا تمد عينيك معجبا ، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والمُمَتَّعين بها ، من المآكل والمشارب اللذيذة ، والملابس الفاخرة ، والبيوت المزخرفة ، والنساء المجملة ، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا ، تبتهج بها نفوس المغترين ، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين ، ويتمتع بها – بقطع النظر عن الآخرة – القوم الظالمون ، ثم تذهب سريعا ، وتمضي جميعا ، وتقتل محبيها وعشاقها ، فيندمون حيث لا تنفع الندامة ، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة ، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا ، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها ، ومن هو أحسن عملا ” انتهى .

ثالثا :

يذكر العلماء في فوائد غض البصر أمورا كثيرة ، منها ما قاله ابن القيم رحمه الله في “الجواب الكافي” (125) :

” وفي غض البصر عدة منافع :

أحدها : أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .

الثانية : أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذى لعل فيه هلاكه إلى قلبه .

الثالثة : أنه يورث القلب أنسا بالله ، وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر ، فانه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .

الرابعة : أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .

الخامسة : أنه يكسب القلب نورا ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر ، فقال : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) النور/30 ثم قال إثر ذلك : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) النور/35 أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .

السادسة : أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب ، … والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته ، عوضة عن حبسه بصره لله ، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة ، التي إنما تنال ببصيرة القلب ، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الحجر/72

السابعة : أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة ، كما في الأثر : ( الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله ) ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ، ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قال الحسن : ( إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، فإن المعصية لا تفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه ) .

وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته ، والذل قرين معصيته ، فقال تعالى : ( ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) المنافقون/8 ، وقال تعالى : ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران/139 ، والإيمان قول وعمل ، ظاهر وباطن ، وقال تعالى : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) فاطر/10 ، أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره ، من الكلم الطيب والعمل الصالح ، وفي دعاء القنوت : ( إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ) ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ، وله من العز بحسب طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه ، وله من الذل بحسب معصيته .

الثامن : أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة ، وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي ، فيمثل له صورة المنظور إليه ، ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه ، ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ، وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب ، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور ، لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار .

التاسع : أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها ، فتنفرط عليه أموره ، ويقع في اتباع هواه ، وفي الغفلة عن ذكر ربه ، قال تعالى : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) الكهف/28

العاشر : أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر ، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ” انتهى .

والله أعلم .

وانظر السؤال رقم (1774) ، (20229) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android