0 / 0

تسلط الشيطان عليه بالشهوات المحرمة ، والشبهات الباطلة !!

السؤال: 93421

في رمضان الماضي مارستُ العادة السرية حوالى 4 أيام في نهار رمضان
، وأكلتُ بعدها لتأكدي من فساد صيامي ، والأكثر من ذلك أنني أصبحتُ وفي رمضان الحالي
أمارسها بعد الإفطار ، لا أعرف كيف أصبر في نهار رمضان وأفعلها في ليله ، وصرت أسمع
الغناء كذلك في رمضان .
كانت تأتيني بعض الوساوس والشبهات التى تدور في ذهني دون أن أسمعها من أحد ، ولكنني
أتجاهلها ؛ ليقيني بأن هذا هو الدين الحق ؛ لما قرأت عنه في الإعجاز العلمي , وأحاديث
صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بينما لا توجد بشارات أو إعجاز في الأديان الأخرى
، ولم نسمع مطلقاً بذلك إلا في الإسلام , ولكن دون جدوى ، أحياناً أسمع حديثاً ما ،
وعقلي لايصدقه ، ويرفضه ، كالحديث الذي يخبر أن الجنة تفتح أبوابها كل يوم إثنين وخميس
، فقلت في نفسي كيف ذلك ؟! هناك بعض الدول البعيدة عنا والتى تختلف معنا في الأيام
، فمثلا اليوم عندنا الإثنين ، وفي نيوزيلندا وتلك البلاد قد يكون عندهم الثلاثاء ،
أعني عدم توافق الزمن ، وهكذا , عقلي أجده يفكر في أشياء وحده من هذا النوع .
آسف جدّاً على الإطالة ، إفادتي فيما يجب عليَّ فعله ، وجزاكم الله خيراً .
 

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
أما حكم العادة السرية : فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها محرمة ، وقد بيَّنا ذلك في جواب السؤال رقم ( 329 ) ، لذا فالواجب عليك التوبة والاستغفار من هذه الفعلة ، والكف عنها ، وعدم الرجوع لفعلها .
ثانياً :
قد اتفق الأئمة الأربعة على أن من فعل ذلك فقد بطل صومه ، ووجب عليه القضاء .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
في رمضان السابق وأنا صائم وقعت في العادة السرية ، فماذا يجب عليَّ ؟ .
فأجاب فضيلته :
عليك أن تتوب إلى الله من هذه العادة ؛ لأنها محرمة على أصح القولين لأهل العلم ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يستطيعون الباءة إلى الصوم ، والصوم فيه نوع من المشقة بلا شك ، ولو كانت العادة السرية جائزة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها ؛ لأنها أهون على الشباب ؛ ولأن فيها شيئاً من المتعة ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل عن الأسهل إلى الأشق لو كان الأسهل جائزاً ؛ لأنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيسر في هذه المسألة يدل على أنه ليس بجائز .
أما بالنسبة لعمله إياها وهو صائم في رمضان : فإنه يزداد إثماً ؛ لأنه بذلك أفسد صومه ، فعليه أن يتوب إلى الله توبتين ، توبة من عمل العادة السرية ، وتوبة لإفساد صومه ، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده .
” فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 19 / السؤال 191 ) .
وانظر جواب الأسئلة : ( 38074 ) و (37887 ) و (2571 ) .

ولم يكن لك أن تأكل بعد أن أفسدتَ صيامك بالعادة السرية ، وليس لمن أبطل صومه بفعل مباحٍ في الأصل كالجماع ، أو فعل محرَّم كالاستمناء أن يأكل ويشرب ؛ بل يجب عليه الإمساك بقية يومه ، وإن كان إمساكه لا يعدُّ صياماً ، وإنما الذي يجوز له الأكل والشرب والجماع هو من أفطر برخصة من الشرع ، وبعذر شرعي .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
إذا أفطر الإنسان لعذرٍ وزال العذر في نفس النهار فهل يواصل الفطر أم يمسك ؟ .
فأجاب :
الجواب : أنه لا يلزمه الإمساك ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع ، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل ، ولكن عليه أن يقضيه ، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً ، ليس بصحيح ، ومثال ذلك : رجل رأى غريقاً في الماء ، وقال : إن شربت أمكنني إنقاذه ، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه ، فنقول : اشرب وأنقذه ، فإذا شرب وأنقذه فهل يأكل بقية يومه ؟ نعم ، يأكل بقية يومه ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع ، فلا يلزمه الإمساك .
ولهذا لو كان عندنا إنسان مريض ، هل نقول لهذا المريض : لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت ؟ لا ؛ لأن هذا المريض أبيح له الفطر ، فكلُّ مَن أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي : فإنه لا يلزمه الإمساك ، والعكس بالعكس ، لو أن رجلاً أفطر بدون عذر ، وجاء يستفتينا : أنا أفطرت وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني ؟ قلنا : يلزمك الإمساك ؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر ، فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع ، فنلزمك بالبقاء على الإمساك ، وعليك القضاء ؛ لأنك أفسدت صوماً واجباً شرعت فيه .
” فتاوى ابن عثيمين ” ( 19 / السؤال رقم 57 ) .
ثالثاً :
أما سماعك الغناء : فهو فعل محرَّم ، وقد سبق بيان حكم الأغاني المصاحبة للآلات المحرَّمة في أجوبة الأسئلة : ( 43736 ) و (5000 ) و (20406 ) و (5011 ) .
ربعاً :
أما عن الشبهات التي تطرأ على قلبك أخي الفاضل : فاعلم أنها من مكائد الشيطان ، واعلم أن مثل هذه الشبهات لا تطرأ على صاحب العلم واليقين ، فكن من أهلهما ، واحرص على زيادتهما لترى أنه لا مكان للشبهات عند أصحابهما .
واجعل في صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم خير أسوة لك ، فعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة – كما جاء في الصحيحين – هل استشكلوا ذلك ؟ هل قالوا كيف ذلك وهنا ثلث ليل وهناك في أقصى الأرض نهار في الوقت نفسه ؟ لم يكن من ذلك شيء ؛ لما عندهم من علم بالكتاب والسنَّة ، ويقين بصدق نبيهم ، وأن ما قاله وحي من ربه تعالى ، فماذا فعلوا ؟ سارعوا إلى الدعاء والصلاة في ثلث الليل الآخر ، وهذا هو المطلوب من كل مسلم ، أن يسلِّم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستجيب لأوامره ، وإلا كان مشابهاً للكفار الذين أنكروا إسراءه لبيت المقدس ، ومعراجه للسماء في جزء من الليل ، ومن كان مصدِّقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : كان مشابهاً للصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه .
وعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً ، يوم كسنَة ، ويوم كشهر ، ويوم كأسبوع ، وسائر أيامه كأيامكم – كما رواه مسلم – ، فماذا فعل الصحابة رضي الله عنهم ؟ هل توقفوا ؟ هل استشكلوا ؟ هل ردوا الخبر ؟ كل ذلك لم يكن ، وإنما سألوا عن صلاتهم في اليوم الذي يكون كسنَة !! وهذا هو موقف أهل العلم واليقين من الأخبار الصادقة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وما ذكرته من أن الجنة تفتح أبوابها يوم الاثنين والخميس : هو حديث صحيح ، رواه مسلم وغيره ، فهل علمتَ ماذا حوى من علم وتوجيه للمسلمين ؟ اقرأ الحديث وتمعن فيه جيداً :
روى مسلم في صحيحه (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) .
انظر في الحديث وما حوى من عظم الشرك وخطره ، وانظر إلى عظم القطيعة والشحناء بين المسلمين ، ثم انظر لنفسك تترك ذلك كله لتستشكل ما استشكلت ، وليس الأمر عجزاً عن الرد ، بل هو لتأصيل موقف المسلم من صحيح السنَّة ، وموقفه مما يطرأ على قلبه من الشبهات ، ومعرفة سبب ذلك ، وكيف يدفعه .
واعلم أنك لو تراجع نفسك في اعتقادك بربك تعالى فإنك ستجد نفسك تؤمن بما هو أعظم وأعلى من ذلك بكثير ، فأنت تؤمن أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لكل خلقه في اللحظة نفسها ، وأنت تؤمن أن الله تعالى يسمع كلام خلقه على اختلاف لغاتهم في اللحظة نفسها ، فأين هذا مما يجيء به الشيطان للمسلم من استعظامه لبعض صفات الرب تعالى ، أو لبعض الأحكام ؟! .
وقد رأينا للإمام ابن القيم كلاماً متيناً حول هذا الموضوع بعينه ، نرجو أن يكون كافياً لكل أحدٍ يقرؤه في قطع كل شبهة ترد على القلب مما ليس أساس من العلم ، وفي كلامه رحمه الله بيان أسباب ورود الشبهات ، وطريقة دفعها .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
وقوله – أي : علي بن أبي طالب رضي الله عنه – ” ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ” : هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته ، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة : قدحت فيه الشك والريب ، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبَه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ، ولا قدحت فيه شكّاً لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه : ردها حَرَسُ العلم ، وجيشه ، مغلولةً ، مغلوبةً ، والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له ، فمتى باشر القلب حقيقة العلم : لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه : قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكّاً مرتاباً ، والقلب يتوارده جيشان من الباطل : جيش شهوات الغي ، وجيش شبهات الباطل ، فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها : تشرَّبها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها ، فإن أُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات ، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه .
وقال لي شيخ الاسلام رضي الله عنه – أي : ابن تيمية – وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد – : لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها : صار مقرّاً للشبهات ، أو كما قال ، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حُسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس : فيعتقد صحتها ، وأما صاحب العلم واليقين : فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وماتحت لباسها ، فينكشف له حقيقتها ، ومثال هذا : الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ، فيطَّلع على زيفه .
” مفتاح دار السعادة ” ( 1 / 139 ، 140 ) .
ونسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن يثبت قلبك على الإيمان ، وأن يزيدك هدى وعلماً وتوفيقاً .

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android