0 / 0
251,52504/02/2007

عقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية وثناء الأئمة عليه وموقف ابن حجر منه

السؤال: 96323

رجاءً الإجابة على سؤالي عن عقيدة الشيخ ابن تيمية ، حيث قرأت أنه انحرف عن العقيدة الصحيحة ، وأنه وصف الله بصفات البشر ، أيضاً قرأت أن علماء مثل ابن حجر العسقلانى لا يقدرونه ، هل يمكنكم توضيح هذه المسألة لي ؟ .
شكراً لكم ، والسلام عليكم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
يُعدُّ شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية من المجددين البارزين في الإسلام ، وقد وُلد – رحمه الله – عام 661 هـ وتوفي عام 728 هـ ، وإذا كان أثر المجدد عادة في زمانه وقرنه فإن أثر شيخ الإسلام ابتدأ في زمانه ولا يزال أثره إلى الآن على العلماء وطلاب العلم والجماعات الإسلامية التي تنتسب للسنَّة ، ولا يزال أهل العلم ينهلون من علمه في الرد على أعداء الدين من اليهود والنصارى ، والفرق المنسبة للإسلام كالرافضة والحلولية والجهمية ، والفرق المبتدعة كالأشعرية والمرجئة .
وتحقيقاته في مسائل الفقه والحديث والتفسير والسلوك أشهر من أن نذكر نماذج لها ، فكتبه ومؤلفاته شاهدة عليها ، وليس هو – رحمه الله – بحاجة لمن يزكيه من أمثالنا ، بل علمه وفقهه حاضر شاهد لا ينكره إلا جاهل أو جاحد .
ثانياً :
وشهادات الأئمة في عصره ، وبعد عصره تبين للمنصف كذب الادعاءات التي يفتريها أعداء الملة ، وأعداء السنَّة على هذا الإمام العلَم ، وفي ثنايا هذه التزكيات بيان علم وفقه وقوة حجة هذا الإمام ، وبه يُعرف السبب الذي حاربه من أجله أهل الكفر والبدعة ، وهو أنه هدم أصولهم فخرَّ عليهم السقف من فوقهم ، وسنذكر في بعض هذه الشهادات صحة اعتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية ، ونصرته للسنَّة ، ورده على أهل البدع والخرافات .
وهذه التزكيات والشهادات لهذا الإمام لم تكن من تلامذته وأصحابه فحسب ، بل شهد له حتى مخالفوه بالإمام والتقدم في العلم والفقه ، وقوة الحجة ، بل وشهدوا له بالشجاعة والسخاء والجهاد في سبيل الله لنصرة الإسلام ، وهذه بعض الشهادات والتزكيات :
1. قال الإمام الذهبي – رحمه الله – في ” معجم شيوخه ” :
هو شيخنا ، وشيخ الإسلام ، وفريد العصر ، علماً ، ومعرفة ، وشجاعة ، وذكاء ، وتنويراً إلهيّاً ً، وكرماً ، ونصحاً للأمَّة ، وأمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، سمع الحديث ، وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته ، وخرج ، ونظر في الرجال ، والطبقات ، وحصَّل ما لم يحصله غيره .
برَع في تفسير القرآن ، وغاص في دقيق معانيه ، بطبع سيَّال ، وخاطر إلى مواقع الإِشكال ميَّال ، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها ، وبرع في الحديث ، وحفِظه ، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث ، معزوّاً إلى أصوله وصحابته ، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل ، وفاق الناس في معرفة الفقه ، واختلاف المذاهب ، وفتاوى الصحابة والتابعين ، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب ، بل يقوم بما دليله عنده ، وأتقن العربيَّة أصولاً وفروعاً ، وتعليلاً واختلافاً ، ونظر في العقليات ، وعرف أقوال المتكلمين ، وَرَدَّ عليهم ، وَنبَّه على خطئهم ، وحذَّر منهم ، ونصر السنَّة بأوضح حجج وأبهر براهين ، وأُوذي في ذات اللّه من المخالفين ، وأُخيف في نصر السنَّة المحضة ، حتى أعلى الله مناره ، وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له ، وَكَبَتَ أعداءه ، وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل ، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً ، وعلى طاعته ، أحيى به الشام ، بل والإسلام ، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولى الأمر لما أقبل حزب التتر والبغي في خيلائهم ، فظُنت بالله الظنون ، وزلزل المؤمنون ، واشْرَأَب النفاق وأبدى صفحته .
ومحاسنه كثيرة ، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي ، فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت : إني ما رأيت بعيني مثله ، وأنه ما رأى مثل نفسه .
انظر ” ذيل طبقات الحنابلة ” لابن رجب الحنبلي ( 4 / 390 ) .
2. وقال الحافظ عماد الدين الواسطي – رحمه الله – :
والله ، ثم والله ، لم يُرَ تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية ، علماً ، وعملاً ، وحالاً ، وخلُقاً ، واتِّباعاً ، وكرماً ، وحلْماً ، وقياماً في حق الله تعالى عند انتهاك حرماته ، أصدق النَّاس عقداً ، وأصحهم علماً وعزماً ، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همةً ، وأسخاهم كفّاً ، وأكملهم اتباعاً لسنَّة محمد صلى الله عليه وسلّم ، ما رأينا في عصرنا هذا مَن تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقة .
” العقود الدرية ” ( ص 311 ) .
3. وقال الحافظ جلال الدين السيوطي – رحمه الله – :
ابن تيمية ، الشيخ ، الإمام ، العلامة ، الحافظ ، الناقد ، الفقيه ، المجتهد ، المفسر البارع ، شيخ الإسلام ، علَم الزهاد ، نادرة العصر ، تقي الدين أبو العباس أحمد المفتي شهاب الدين عبد الحليم بن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني .
أحد الأعلام ، ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة ، وسمع ابن أبي اليسر ، وابن عبد الدائم ، وعدّة .
وعني بالحديث ، وخرَّج ، وانتقى ، وبرع في الرجال ، وعلل الحديث ، وفقهه ، وفي علوم الإسلام ، وعلم الكلام ، وغير ذلك .
وكان من بحور العلم ، ومن الأذكياء المعدودين ، والزهاد ، والأفراد ، ألَّف ثلاثمائة مجلدة ، وامتحن وأوذي مراراً .
مات في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة .
” طبقات الحفاظ ” ( ص 516 ، 517 ) .
وقد طعن ابن حجر الهيتمي [ من كبار فقهاء الشافعية ، توفي 974هـ ، وهو شخص آخر غير ابن حجر العسقلاني ، صاحب فتح الباري ، المتوفي 852هـ ] في شيخي الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم كثيراً ، واتهمهما بالقول بالتجسيم والتشبيه وقبائح الاعتقادات ، وقد ردَّ عليه كثيرون ، وبينوا زيف قوله ، وأظهروا براءة الإمامين من كل اعتقاد يخالف الكتاب والسنة ، ومن هؤلاء :
4. الملا علي قاري – رحمه الله – حيث قال – بعد أن ذكر اتهام ابن حجر لهما وطعنه في عقيدتهما – :
أقول : صانهما الله – أي : ابن القيم وشيخه ابن تيمية – عن هذه السمة الشنيعة ، والنسبة الفظيعة ، ومن طالع ” شرح منازل السائرين ” لنديم الباري الشيخ عبد الله الأنصاري قدس الله سره الجلي ، وهو شيخ الإسلام عند الصوفية : تبيَّن له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة ، بل ومن أولياء هذه الأمة ، ومما ذكر في الشرح المذكور ما نصه على وفق المسطور :
” وهذا الكلام من شيخ الإسلام يبين مرتبته من السنَّة ، ومقداره في العلم ، وأنه بريء مما رماه أعداؤه الجهمية من التشبيه والتمثيل ، على عادتهم في رمي أهل الحديث والسنَّة بذلك ، كرمي الرافضة لهم بأنهم نواصب ، والناصبة بأنهم روافض ، والمعتزلة بأنهم نوابت حشوية ، وذلك ميراث من أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم في رميه ، ورمي أصحابه بأنهم صبأة ، قد ابتدعوا ديناً محدثاً ، وهذا ميراث لأهل الحديث والسنة من نبيهم بتلقيب أهل الباطل لهم بالألقاب المذمومة .
وقدس الله روح الشافعي حيث يقول وقد نسب إلى الرفض :
إن كان رفضا حب آل محمد *** فليشهد الثقلان أني رافضي
ورضي الله عن شيخنا أبي العباس بن تيمية حيث يقول :
إن كان نصباً حب آل محمد *** فليشهد الثقلان أني ناصبي
وعفا الله عن الثالث – وهو ابن القيم – حيث يقول :
فإن كان تجسيماً ثبوت صفاته *** وتنزيهها عن كل تأويل مفتر
فإني بحمد الله ربي مجسم *** هلموا شهوداً واملئوا كل محضرِ ” .
” مرقاة المفاتيح ” لملا علي القاري ( 8 / 146 ، 147 ) .
وما بين علامتي التنصيص ” ” نقله الملا علي قاري عن الإمام ابن القيم من كتابه ” مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ” ( 2 / 87 ، 88 ) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة :
يقول الناس : إن ابن تيمية ليس من أهل السنة والجماعة ، وإنه ضال مضل ، وعليه ابن حجر ، وغيره ، هل قولهم صدق أم لا ؟ .
فأجابوا :
إن الشيخ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية إمام من أئمة أهل السنة والجماعة ، يدعو إلى الحق ، وإلى الطريق المستقيم ، قد نصر الله به السنَّة ، وقمع به أهل البدعة والزيغ ، ومن حكم عليه بغير ذلك : فهو المبتدع ، الضال ، المضل ، قد عميت عليهم الأنباء ، فظنوا الحق باطلاً ، والباطل حقّاً ، يَعرف ذلك من أنار الله بصيرته ، وقرأ كتبه ، وكتب خصومه ، وقارن بين سيرته وسيرتهم ، وهذا خير شاهد وفاصل بين الفريقين .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 2 / 451 ، 254 ) .
ثالثاً :
كلام الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي – رحمه الله – في شيخ الإسلام ابن تيمية :
الحافظ ابن حجر العسقلاني إمام مشهور ، توفي عام 852 هـ ، وهو صاحب التصانيف النافعة ، مثل ” فتح الباري شرح صحيح البخاري ” ، و ” التلخيص الحبير ” ، و ” تهذيب التهذيب ” وغيرها ، وكان للحافظ ابن حجر كلمات متفرقات في شيخ الإسلام ابن تيمية ، شهد له بها بالعلم والفضل والدفاع عن السنَّة ، وما ينتقده الحافظ ابن حجر – رحمه الله – على شيخ الإسلام قابل للنقض ، وهو نفسه – رحمه الله – هناك من تعقبه في بعض المسائل العقيدية ، ولا يهمنا هنا عرض ذلك ، والبحث فيه ، وإنما يهمنا نقل كلامه – رحمه الله – في شيخ الإسلام ثناء ومدحاً ؛ ليتبين خطأ من قال إن الحافظ – رحمه الله – لا يقدِّر شيخ الإسلام ابن تيمية ! .
وهذه نُبذ من كلام الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في حق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
1. ألَّف الشيخ ابن ناصر الدين الدمشقي كتاباً سماه ” الرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر ” ردّاً على واحدٍ متعصبي الأحناف زعم أنه لا يجوز تسمية ابن تيمية بـ ” شيخ الإسلام ” ، وأنه من فعل ذلك فقد كفر ! ، وقد ذكر فيه خمساً وثمانين إماماً من أئمة المسلمين كلهم وصف ابن تيمية بـ ” شيخ الإسلام ” ، ونقل أقوالهم من كتبهم بذلك ، ولما قرأ الحافظ بن حجر رحمه الله هذا الكتاب – ” الرد الوافر ” – كتب عليه تقريظاً ، وهذا نصه :
، وسلام على عباده الذين اصطفى .
وقفتُ على هذا التأليف النافع ، والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لأجلها جامع ، فتحققت سعة اطلاع الإمام الذي صنفه ، وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرَّفه ، وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس ، وتلقيبه بـ ” شيخ الإسلام ” في عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية ، ويستمر غداً كما كان بالأمس ، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره ، أو تجنب الإنصاف ، فما أغلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره ، فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا ، وحصائد ألسنتنا بمنِّه وفضله ، ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا ما نبَّه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في ” تاريخه ” : أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين ، وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدّاً شهدها مئات ألوف ، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد أو أضعاف ذلك : لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته ، وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد ، وكان أمير بغداد وخليفة ذلك الوقت إذا ذاك في غاية المحبة له والتعظيم ، بخلاف ابن تيمية فكان أمير البلد حين مات غائباً ، وكان أكثر مَن بالبلد مِن الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوساً بالقلعة ، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس ، تأخروا خشية على أنفسهم من العامة .
ومع حضور هذا الجمع العظيم : فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته ، لا بجمع سلطان ، ولا غيره ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أنتم شهداء الله في الأرض ) – رواه البخاري ومسلم – .
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً ، بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع ، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ، وبدمشق ، ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ، ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة ، حتى حبس بالقاهرة ، ثم بالإسكندرية ، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه ، وكثرة ورعه ، وزهده ، ووصفه بالسخاء ، والشجاعة ، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام ، والدعوة إلى الله تعالى في السر والعلانية ، فكيف لا يُنكر على مَن أطلق ” أنه كافر ” ، بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام : الكفر ، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك ؛ فإنه شيخ في الإسلام بلا ريب ، والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً ، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم ، والتبري منه ، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب ، فالذي أصاب فيه – وهو الأكثر – يستفاد منه ، ويترحم عليه بسببه ، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه ، بل هو معذور ؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه ، حتى كان أشد المتعصبين عليه ، والقائمين في إيصال الشر إليه ، وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني ، يشهد له بذلك ، وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل ، الذي لم يثبت لمناظرته غيره .
ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض ، والحلولية ، والاتحادية ، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة ، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر ، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا بكفره ، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره ، فالواجب على من تلبّس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة ، أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل ، فيفرد من ذلك ما يُنكر ، فيحذِّر منه على قصد النصح ، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك ، كدأب غيره من العلماء ، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف : لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته ، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم ، والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم ، فضلاً عن الحنابلة ، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر ، أو على من سمَّاه ” شيخ الإسلام ” : لا يلتفت إليه ، ولا يعوَّل في هذا المقام عليه ، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ، ويذعن للصواب ، والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل ، وحسبنا الله ، ونعم الوكيل .
صفة خطه أدام الله بقاءه.
قاله ، وكتبه : أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي ، عفا الله عنه ، وذلك في يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول ، عام خمسة وثلاثين وثمانمائة ، حامداً لله ، ومصليّاً على رسوله محمد ، وآله ومسلماً .
” الرد الوافر ” للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي ( ص 145 ، 146 ) ، ونقل الحافظ السخاوي – تلميذ ابن حجر – كلام شيخه في كتابه ” الجواهر والدرر ” ( 2 / 734 – 736 ) .

02 ترجم الحافظ ابن حجر لشيخ الإسلام ابن تيمية ، عليهما رحمة الله ، ترجمة حفيلة في كتابه ” الدرر الكامنة ” ، قال في أولها :
” .. وتحول به أبوه من حران سنة 67 ، فسمع من ابن عبد الدائم والقاسم الأربلي والمسلم ابن علان وابن أبي عمر والفخر في آخرين ، وقرأ بنفسه ونسخ سنن أبي داود وحصل الأجزاء ونظر في الرجال والعلل ، وتفقه وتمهر ، وتميز وتقدم ، وصنف ودرس وأفتى ، وفاق الأقران ، وصار عجباً في سرعة الاستحضار وقوة الجنان والتوسع في المنقول والمعقول والإطالة على مذاهب السلف والخلف .. ” انتهى .
الدرر الكامنة ، في أعيان المائة الثامنة “1/168) .
وقد نقل في هذه الترجمة كثيرا من نصوص الأئمة ، في الثناء على شيخ الإسلام رحمه الله ، والإقرار بإمامته في علوم المعقول والمنقول ، ومن ذلك قوله :
03 ” وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي ، في ثبت شيخ شيوخنا الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل ، ما نصه : وسمع بهاء الدين المذكور على الشيخين شيخنا وسيدنا وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى ، شيخ التحقيق ، السالك بمن اتبعه أحسن طريق ، ذي الفضائل المتكاثرة ، والحجج القاهرة ، التي أقرت الأمم كافة أن هممها عن حصرها قاصرة ، ومتعنا الله بعلومه الفاخرة ونفعنا به في الدنيا والآخرة ، وهو الشيخ الإمام العالم الرباني والحبر البحر القطب النوراني ، إمام الأئمة ، بركة الأمة ، علامة العلماء ، وارث الأنبياء ، آخر المجتهدين ، أوحد علماء الدين ، شيخ الإسلام ، حجة الأعلام ، قدوة الأنام ، برهان المتعلمين ، قامع المبتدعين ، سيف المناظرين ، بحر العلوم ، كنز المستفيدين ، ترجمان القرآن ، أعجوبة الزمان ، فريد العصر والأوان ، تقي الدين ، إمام المسلمين ، حجة الله على العالمين ، اللاحق بالصالحين ، والمشبه بالماضين ، مفتي الفرق ، ناصر الحق ، علامة الهدى ، عمدة الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، ركن الشريعة ، ذو الفنون البديعة ، أبو العباس ابن تيمية !! ”
الدرر الكامنة (186-187) .
رابعاً :
إذا كانت هذه النصوص التي نقلناها أو أشرنا إليها ، من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله ، أو مما نقله الحافظ عن غيره ، ناطقة بتقدير شيخ الإسلام ، والإشادة بمنزلته من العلم والدين ؛ فإن ذلك لا يعني أن الحافظ لم يخالف شيخ الإسلام البتة في مسألة من المسائل العلمية ، أو لم ينتقده قط ؛ فما زال أهل العلم يردون بعضهم على بعض ؛ من غير أن يلزم من ذلك أن يكون الراد لا يقدر المردود عليه قدره ، فضلا عن أن يبدعه أو يضلله ، وقديما قال الإمام مالك رحمه الله قولته الشهيرة : ” كل يؤخذ من قوله ويترك ، إلا صاحب هذا القبر ” ، أو نحوا من ذلك ، ـ يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ .
وهذا بغض النظر عما إذا كان الصواب ، في المسألة المعينة ، مع شيخ الإسلام ، أو مع مخالفه ومن يرد عليه ، الحافظ ابن حجر أو غيره . فكيف إذا كان الصواب في عامة ما أنكروه عليه ، أو معظمه في جانب شيخ الإسلام ، رحم الله الجميع .

ويمكن مراجعة كثير من هذه المسائل التي انتقدت على شيخ الإسلام ، ولا سيما من قبل ابن حجر الهيتمي ، المشار إلى موقفه آنفا ، فيما كتبه الشيخ نعمان خير الدين ابن الآلوسي رحمه الله ، في كتابه النافع : ” جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ” ، يعني : أحمد بن تيمية ، وأحمد بن حجر الهيتمي ، عليهما رحمة الله .
وينظر أيضا كتاب : دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو بحث أكاديمي من إعداد الدكتور : عبد الله بن صالح الغصن .
خامساً :
ما ورد في السؤال من أن شيخ الإسلام انحرف عن العقيدة الصحيحة ووصف الله تعالى بصفات خلقه ، هو من أفرى الفرى ، وأبين الكذب على شيخ الإسلام ومنهجه وعقيدته ، ومن يطالع شيئا من مصنفاته الكبار أو الصغار يتحقق ذلك ، ومن هذه النصوص والقواعد التي يشق الإشارة إلى جميعها هنا ، فضلا عن نقلها ، قوله رحمه الله :
” اتفق سلف الأمة وأئمتها أن الله ليس كمثله شيء ، لا فى ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وقال من قال من الأئمة : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها ” اهـ
فتاوى شيخ الإسلام (2/126) .
وقال رحمه الله :
” ثم القول الشامل في جميع هذا الباب : أن يوصف الله بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، وبما وصفه به السابقون الأولون ؛ لا يُتجاوز القرآن والحديث .
قال الإمام أحمد رضي الله عنه : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ؛ لا يتجاوز القرآن والحديث . ٍ
ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجى ، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه ، لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول ، وأفصح الخلق في بيان العلم ، وأفصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد .
وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء ، لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ، ولا في أفعاله ، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة ، وله أفعال حقيقة ، فكذلك له صفات حقيقة ؛ وهو ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا فإن الله منزه عنه حقيقة ؛ فانه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه ، ويمتنع عليه الحدوث ؛ لامتناع العدم عليه ، واستلزام الحدوث سابقة العدم ، ولافتقار المحدَث إلى محدِث ، ولوجوب وجوده بنفسه ، سبحانه وتعالى .
ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل ؛ فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه ، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه ، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ؛ فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العليا ، ويحرفوا الكلم عن مواضعه ، ويلحدوا في أسماء الله وآياته .
وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل ؛ أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق ، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات ؛ فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل ؛ مثلوا أولا ، وعطلوا آخرا ؛ وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته ، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم ، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله سبحانه وتعالى .. “
فتاوى شيخ الإسلام (5/26-27) .

ونصوص شيخ الإسلام في هذا المعنى كثيرة جدا ، كما أشرنا ، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله .
والله الموفق .
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android