تزوجتُ منذ سنتين من فتاة ، كانت موافقتي على الارتباط هو أنها متدينة ، وسعت لحفظ القرآن في فترة وجيزة ، عندما رأيتها ليلة الخطوبة صدت نفسي منها ، وذلك لأنها ليست جميلة ، ولكني أجبرت نفسي على قبولها ؛ لدينها ، وصفاتها الأخرى الحسنة ، المهم : تزوجنا ، واكتشفت أنها عصبية المزاج ، مما أثر على علاقتنا ، وجعلني أبتعد عنها شعوريّاً أكثر ، وصلتُ مرحلة أعتقد فيها أنني لا أحبها ، وبدأت أهملها في الفراش ، فتضررت من ذلك كثيراً ، ولكنها تحبني ، وأخشى إن طلقتها أن تتأثر كثيراً جدّاً ، ندمت في نفسي كثيراً على الارتباط بها ، وحزنت لأجلها كثيراً ، ولكني لم أستطع أن أطيقها ، ولا أريد أن تضيع عمرها مع من لا يحبها ، أصبحت محتاراً ، وأخشى ربي كثيراً أن يعاقبني لأنني تزوجتها ، مع أنني لم أكن أرغب فيها ، سمعت محاضرة من أحد المشايخ يقول : تزوجها لدينها حتى لو كانت غير جميلة ، ما الحل بارك الله فيكم ؟ .
هي تحبه وهو لا يطيقها لعدم جمالها فهل يطلقها ؟
السؤال: 96704
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
سنقف أخي السائل مع رسالتك وقفات ، نرجو منك الانتباه لما سنقوله :
1. أمر الله تعالى الأزواجَ بمعاشرة زوجاتهم بالمعروف ، وبيَّن لهم تعالى أنه قد يقع منهم كراهية لهذه الزوجة ، فليس عليه أن يباشر بتطليقها ، بل يصبر عليها ويمسكها ؛ لسببين :
الأول : أنه إن كرهَ منها خلُقاً فقد يكون لها أخلاقاً أخرى مرضيَّة ، وهكذا يقال لمن كانت عنده امرأة ليست جميلة لا يُعجبه خَلْقها أن نقول له : فارض بخُلُقِها ، واجعل هذه الأخلاق سبباً في إمساكها والصبر عليها ، فإنها التي تصلح لحفظ عرضك ومالِك ، وهي التي تصلح لتربي لك أولادك .
والثاني : أن الله تعالى قد يجعل في صبره وتحمله له خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة ، في الدنيا مثل الولد الصالح منها ، وفي الآخرة كالثواب الجزيل على صبره وتحمله .
قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 .
قال الإمام الطبري – رحمه الله – :
عاشروهن بالمعروف وإن كرهتموهن ، فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن ، فيجعل الله لكم في إمساككم إياهن على كُرهٍ منكم لهن خيراً كثيراً ، مِن ولدٍ يرزقكم منهن ، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن .
” تفسير الطبري ” ( 8 / 122 ) .
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله – :
وقوله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) ، أي : فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن : فيه خير كثير لكم في الدنيا ، والآخرة ، كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير كثير ، وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً ، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر ) .
” تفسير ابن كثير ” ( 2 / 243 ) .
وقال الشيخ العثيمين – رحمه الله – :
فالواجب على كلٍّ مِن الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليه من العشرة الحسنة ، وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها ، وكون أمرها بيده ، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف ، ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة ، إما لتقصيرها في حقه ، أو لقصور في عقلها وذكائها ، وما أشبه ذلك ، فكيف يعامِل هذه المرأة ؟ نقول : هذا موجود في القرآن ، وفي السنّة ، قال الله تبارك وتعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 ، وهذا هو الواقع ، قد يكره الإنسان زوجته لسببٍ ، ثم يصبر ، فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً ، تنقلب الكراهة إلى محبة ، والسآمة إلى راحة ، وهكذا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يفرَك مؤمن مؤمنة – يعني : لا يبغضها ، ولا يكرهها – إن كرهَ منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) ، انظر المقابلة ، الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة ، ( إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا ؟ لا ، أبداً ، لا يتم مرادك في هذه الدنيا ، وإن تم في شيء : نقص في شيء ، حتى الأيام ، يقول الله عز وجل : ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) آل عمران/140 ، وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي :
ويوم علينا ويوم لنا *** ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
وجرب هذا تجد ، لا تبقى الدنيا على حال واحد ، ومن الأمثال السائرة : ” دوام الحال من المحال ” ، فإذا كرهت من زوجك شيئاً : فقابله بما يرضيك حتى تقتنع .
” لقاءات الباب المفتوح ” ( مقدمة الجزء 159 )
2. واعلم أخي السائل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الجمال مما تُنكح المرأة من أجله ، لكنه صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى ما هو خير وأفضل ، وهو الزواج بذات الدِّين .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله – :
قوله ( ولدِينِها ) لأنه به يحصل خير الدنيا والآخرة ، واللائق بأرباب الديانات وذوي المروآت أن يكون الدِّين مطمح نظرهم في كل شيء ، ولا سيما فيما يدوم أمره ، ولذلك اختاره الرسول بآكد وجهٍ وأبلغه ، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية ، فلذلك قال ( فاظفر بذات الدين ) فإن بها تكتسب منافع الدارين ، تربت يداك إن لم تفعل ما أمرت به ، وقال الكرماني : فاظفر جزاء شرط محذوف ، أي : إذا تحققت تفصيلها فاظفر أيها المسترشد بها .
واختلفوا في معنى ( تربت يداك ) فقيل : هو دعاء في الأصل إلا أن العرب تستعملها للإنكار والتعجب والتعظيم والحث على الشيء ، وهذا هو المراد به ههنا .
وفيه الترغيب في صحبة أهل الدين في كل شيء ؛ لأن مَن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم ، ويأمن المفسدة من جهتهم .
” عمدة القاري شرح صحيح البخاري ” ( 20 / 86 ) .
3. واعلم أن الجمال الحقيقي هو جمال الباطن ، وأن الجمال الدنيوي في الشكل الظاهر عرضة للزوال ، إما بأمراض أو حروق ، أو كبَرٍ في السن ، فيبحث الإنسان العاقل عن جمالٍ لا يزول ، بل يزداد ولا ينقص ، يزداد بالإيمان والطاعة ، ويظهر أثر هذا الجمال على المرأة في خلقها وحسن تبعلها لزوجها وعلى حسن تربيتها لأولادها .
04 واعلم أن الله تعالى قد سمَّى ما بين الزوجين ” مودة ” و ” رحمة ” ولم يسمِّه حبّاً ، قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 ، وهذا هو الواقع أصلاً في حياة الشرفاء العقلاء ، فإن الراغب في النكاح يسمع عن المرأة تصلح للزواج فيأتي لخطبتها فيُعجب بجمالها أو دينها أو حيائها ، فيتزوجها ، ولا يقال هنا إنه تزوجها عن حبٍّ ، ولا سمى الله تعالى ما يجعله بينهما حبّاً ، وليس في هذا إنكارٌ للفظة ووجودها ، بل تنبيه على أمرٍ غاية في الأهمية ، وهو أن الزواج شُرع لمقاصد كثيرة ، كإعفاف النفس ، وإقامة الأسرة المسلمة ، وإنجاب الذرية .
ولذا فإنه قد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاءه رجل يريد تطليق امرأته ، فلما سأله عمر عن السبب : قال : إنه لا يحبها ! فردَّ عليه عمر رضي الله عنه : ” وهل لا تُبنى البيوت إلا على الحب ؟! ” .
وقال عمر – أيضاً – لامرأة سألها زوجُها : هل تبغضه ؟ فقالت : نعم ، فقال لها عمر : ” فلتكذب إحداكن ، ولتجمل ، فليس كل البيوت تُبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب ، والإسلام ” .
فتأمل في هذا أخي الفاضل ، وانظر في مآسي الذين تزوجوا الجميلات من غير دين كيف هي حياتهم ، وما فيها من بؤس وشقاء وشكوك وريَبٍ ، وانظر في سعادة وهناء من تزوجوا ذوات الدِّين كيف هي حياتهم ، وكيف يتربى أولادهم .
5. ويمكن لك أن تتزوج زوجة ثانية ، وتُبقي هذه الزوجة في عصمتك ، وأنت مخيَّر بين أمرين :
الأول : أن تعطيها حقَّها كاملاً ، وأن تقسم لها كما تقسم للزوجة الثانية ، وهو من العشرة بالمعروف الواجبة عليك ، كما ذكرناه لك في أول الجواب ، وكما هو معلوم من تحريم الظلم عموماً ، وخصوصاً فيما بين الزوجات .
والثاني : أن تصالح زوجتك على أن تتنازل عن بعض حقها في القسْم ، وتبقيها في عصمتك ، ترعاها وتراها ، وتدخل عليها وتمكث عندها ، تربي لك ولدك ، وتحفظ لك عرضك ومالك ، وقد يكون مع المدة تغيير في شعورك تجاهها ، فتقسم لها كما تقسم للزوجة الثانية ، وهذا الصلح مذكور في كتاب الله تعالى ، وفي السنَّة النبوية ، وفي كلام أهل العلم .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ) قَالَتْ : هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ : كِبَرًا ، أَوْ غَيْرَهُ ، فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا ، فَتَقُولُ : أَمْسِكْنِي ، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ ، قَالَتْ : فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا .
رواه البخاري ( 2548 ) ومسلم ( 3021 ) وفي لفظ له :
قَالَتْ : نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَسْتَكْثِرَ مِنْهَا ، وَتَكُونُ لَهَا صُحْبَةٌ ، وَوَلَدٌ فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا ، فَتَقُولُ لَهُ : أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي .
انتهى
قال ابن القيم – رحمه الله – :
الرجل إذا قضى وطراً من امرأته ، وكرهتها نفسه ، أو عجز عن حقوقها : فله أن يطلقها ، وله أن يخيرها ، إن شاءت أقامت عنده ، ولا حق لها في القسْم ، والوطء ، والنفقة ، أو في بعض ذلك ، بحسب ما يصطلحان عليه ، فإن رضيت بذلك : لزم ، وليس لها المطالبة به بعد الرضى ، هذا موجب السنة ومقتضاها ، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره .
” زاد المعاد ” ( 5 / 152 ) .
5. فإذا لم تستطع الصبر على إبقائها في عصمتك معاشراً لها بالمعروف ، ولم تستطع الزواج عليها ، أو أنها رفضت الصلح : فلم يبق لك إلا الخيار الأخير ، وهو تطليقها وتسريحها بإحسان ، فتعطيها كامل حقوقها ، ولعلَّ الله أن يختار لك خيراً منها ، ويختار لها خيراً منك .
قال تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ) النساء/130 .
والطلاق مباح في هذه الحالة ، ليس محرَّماً ولا مكروهاً ؛ لكن آخر الدواء الكي ، كما يقال .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 29 / 9 ) :
ويكون مباحاً عند الحاجة إليه لدفع سوء خلق المرأة وسوء عشرتها ، أو لأنّه لا يحبّها .
انتهى
ونسأل الله تعالى أن يختار لك ولها الخير ، وأن يوفقكما لما فيه رضاه ، وأن يصلح أحوالكما وقلوبكما .
والله الموفق
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب