أنتمي لدولة يمنع فيها الزواج لأكثر من واحدة , وبالتالي يمنع التعامل بالزواج العرفي ، ولا يمكن توثيقه يوماً في سجلات الحالة المدنية , مع أن عقل الولي غير مهيأ اجتماعيّاً لمثل هذا الزواج لأحد بناته , فما هو الحل لمتزوج تعلق بأخرى أرادته زوجاً لها وارتضت طريقة الزواج المذكور ؟ ألاحظ أن أحد إخوتها ( الأصغر ) والبالغ 25 سنة موافق ، ولكن يطلب أن يبقى هذا سرّاً ؟
دولته تمنع التعدد ويريد الزواج بامرأة ثانية بإذن أخيها دون والدها !
السؤال: 98354
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
لا ندري كيف تبلغ الجرأة ببعض من ولاهم الله أمر المسلمين أن يحاد الله ودينه ، فلا يكتفي بترك الحكم بما أنزل الله حتى يضيف إليه مضادة الشريعة ومحاربة أحكامها والسخرية بها ، ومن ذلك : تضييقهم على الحلال ومنعهم منه ، ونشرهم للحرام ورضاهم عنه ، ولو كانت معصية الإنسان تخصه نفسه لهان الخطب عليه بالنسبة لما تكون هذه المعاصي بقوة القانون ، فيثاب فاعلها ، ويعاقب تاركها ! والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين حكاماً ومحكومين ، ولو فكَّر هؤلاء للحظات يسيرة أن مآلهم إلى حفرة ضيقة لن يكون معهم خدمهم وحشمهم ووزراؤهم وأموالهم وتيجانهم وطعامهم وشرابهم : لعلموا هول الأمر ، وأنه جد ليس بالهزل ، ولو فكَّر هؤلاء في لقاء ربهم لأمكن أن يعيدوا النظر بحياتهم كلها ، ولو علم الله فيهم خيراً لهداهم .
ثانياً:
اعلم أخي السائل : أنه لا يجوز لك التزوج من غير ولي للمرأة ، واعلم أنه بوجود والدها ليس لأخيها أن يزوجها ، وتُرفع ولاية الأب إن ثبت منعه لابنته من الزواج بكل أحد ، ولغير سبب شرعي أو معقول يتوافق مع الشرع ، ومنعه من تزويجها في مثل الحال التي ذكرتَ أمرٌ حسنٌ منه ، وموافق للشرع والعقل ، فكيف تريده أن يزوج ابنته من غير وثيقة معترف بها في دولته ؟! وهل تعلم ماذا يترتب على ذلك لو حصل من مفاسد ؟ .
إن توثيق عقود الزواج – بل وغيره من المعاملات – ليس بدعة في الدين ، بل هو من المصالح المرسلة التي تتوافق مع الشرع .
والمصلحة المرسلة : هي المصلحة التي أرسلها الشارع ، أي : أطلقها ، فلم يعتبرها ، ولم يلغها ، وحكم هذه المصالح يرجع إلى القواعد الشرعية العامة ، فما كان داخلاً في قواعد المصلحة المعتبرة أُلحق بها ، وما كان داخلاً في قواعد المصلحة الملغاة أُلحق بها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في بيان تعريف ” المصالح المرسلة ” – :
وهو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة ، وليس في الشرع ما ينفيه .
” مجموع الفتاوى ” ( 11 / 342 ، 343 ) .
وفي توثيق الزواج مصالح متعددة ، ومنها :
1. حفظ حق الزوجة ، من حيث تثبيت مهرها المؤخر ، وذِكر شروطها فيه ، وأخذ نصيبها من ميراث زوجها وأولادها .
2. إثبات نسب أولادها لها ولأبيهم .
3. منع عقد زواج لها ، وهي على ذمة زوج غيره .
4. حفظ حقوق الزوج ، من حيث ذِكر ما استلمته الزوجة من مهرها .
5. منع الزوج من التزوج بأكثر من أربع نساء .
وهكذا في مصالح كثيرة متعددة ، لا يمكن للشريعة أن تمنع من قيامه وإنشائه ، بل وتشترطه في الزواج ، حفظاً للحقوق ، ومنعاً للمفاسد .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 6 / 170 ) :
شرع اللّه سبحانه وتعالى الكتابة والإشهاد صيانةً للحقوق ، وذلك في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ )البقرة/282 ، ( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ ) ، ( وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ) ، وقد أوجب الشّرع توثيق بعض الالتزامات لخطره ، كالنّكاح .
انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يتعين للزوج أن يقوم بعقده شخص يتولى تلقين ولي الزوجة الإيجاب ، وتلقين الزوج القبول ، أم يصح الزواج دون ذلك الشخص إذا كان النكاح مستكملا شروطه وأركانه ؟ .
فأجابوا :
إذا كان الأمر كما ذكر في السؤال من الإيجاب والقبول منك ومن أبيها ، مع حضور الشهود ورضا البنت المسماة في العقد : فالنكاح صحيح ، وإن لم يتول عقد النكاح بينكما شخص آخر ، فإن ذلك ليس بشرط في صحة النكاح ولا كماله ، وإنما ألزمت الحكومة رعيتها بإجراء العقد على يد من أذنت له في ذلك وكتابته قضاء على الفوضى ، ومنعا للتلاعب ، ومحافظة على النسب والأعراض والحقوق ، ودفعا للتناكر عند النزاع ، وطاعة ولي الأمر في ذلك وأمثاله من المعروف واجبة ، لما في ذلك من إعانته على ضبط شؤون رعيته وتحقيق المصلحة لهم .
الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 18 / 105 ، 106 ) .
وعليه : فمنع والد المرأة إياك من الزواج بها لمنع الدولة من التعدد : أمرٌ مقبول منه ، وليس في فعله مخالفة للشرع ، ولا يحل لك الزواج بها من غير إذن والدها ، وولاية أخيها باطلة مع وجود والدها ، والعقد عليها باطل فاسد لو حصل .
ثالثاً:
أما ” الزواج العرفي ” فله صورتان :
الصورة الأولى : تزوج المرأة في السرّ ، ودون موافقة وليها ، وهذا هو المتبادر من استعمال الناس لهذه التسمية ، وإذا كان كذلك : فهو عقد محرّم ولا يصح أيضاً ؛ لأن موافقة الولي من شروط صحة عقد النكاح .
والصورة الثانية : التزوج بموافقة الولي ، ولكن دون إشهار أو إعلان ، أو توثيق في المحاكم ، وهذا وإن كان زواجاً صحيحاً من حيث الشروط والأركان ، لكن يترتب عليه مفاسد كثيرة ، من وقف عليها جزم بالمنع منه ، وبخاصة مسألة ” التوثيق ” .
وفي حالتك التي سألت عنها ليس والد المرأة موافقاً على الزواج ، فصار المنع من جهتين :
أ. من جهة عدم موافقة الولي .
ب. ومن جهة عدم توثيقه .
وفي جواب السؤال : ( 2127 ) تجد تلخيصا مهمّاً لشروط النكاح وأركانه ، وشروط الولي . وفي جواب السؤال : ( 7989 ) تفصيل آخر مهم خاص باشتراط الولي لصحة النكاح .
وفي جوابي السؤالين : (45513 ) (45663 ) تجد بيان حكم الزواج العرفي .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب