الفطر في رمضان من غير عذر
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلاً وعراً، فقالا: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواد الجبل، إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار ثم انطُلِقَ بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً. قال: قلت من هؤلاء؟ قيل: الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. رواه النسائي في الكبرى (2/246) وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ووافقه الذهبي.
هذا الحديث دليل على عظم ذنب من أفطر في نهار رمضان عمداً من غير عذر، فقد أطلع الله تعالى نبيه على عذاب المفطرين قبل وقت إفطارهم، فرآهم في أقبح صورة وأبشع هيئة، رآهم معلقين بعراقيبهم كما يُعلق الجزار ذبيحته، الأرجل إلى أعلى والرأس إلى أسفل، وقد شقت أشداقهم، والدم يسيل منها.
إنه لون من ألوان العذاب والنكال فهل يعتبر به من انتهك حرمة رمضان وهدم الركن الرابع من أركان الإسلام.
إن الفطر في رمضان من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب، يقول الذهبي رحمه الله في كتابة الكبائر: "الكبيرة العاشرة: إفطار رمضان بلا عذر ولا رخصة." الكبائر ص62 وقد عد ابن القيم الإفطار في نهار رمضان من الكبائر. انظر أعلام الموقعين (4/401)
وإذا ثبت إفطار شخص في رمضان بلا عذر، وجب على ولي الأمر إذا بلغه ذلك أن يعزره ويؤدبه بما يردعه ويردع أمثاله، لأنه اقترف معصية لا حدَّ فيه ولا كفارة، فثبت فيها التعزير، وعلى كل مسلم عرف ذلك أن ينهاه عن هذا المنكر العظيم، ويعظه بما يردعه، ويخوفه عقاب الله تعالى.
قال الذهبي في كتابه الكبائر ص64: "وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم شهر رمضان بلا مرض ولا غرض أنه شر من الزاني والمكَّاس، ومدمن الخمر، بل يشكُّون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال.."
وقال القفال: "ومن أفطر في رمضان بغير جماع من غير عذر، وجب عليه القضاء وإمساك بقية نهاره، ولا كفارة عليه، وعزره السلطان، وبه قال أحمد وداوود.." حلية العلماء (3/198)
فعلى من اقترف هذه المعصية العظيمة أن يتوب إلى الله تعالى، ويصوم ويخشى عقاب الله، فإن الإفطار في رمضان دليل على فساد القلب، وقبح السريرة، والاستهانة بالشرع.
هل يجب القضاء على من أفطر في رمضان من غير عذر؟
من أهل العلم من قال لا قضاء عليه، بل عليه أن يتوب، وأن يحافظ على شرائع الدين، ويكثر من الأعمال الصالحة، لأن جريمته أكبر من أن يجبرها القضاء، والله تعالى إنما يقبل الصيام في غير الشهر من المعذور، كالمسافر والمريض، وأما المتعمد فلا. جاء في الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا يقضي متعمد بلا عذر صوماً ولا صلاة ولا تصح منه." وهذا القول مروي عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم.
ومنهم من قال عليه القضاء؛ لأن الله تعالى أوجب القضاء على المريض والمسافر مع وجود العذر، فلأن يجب مع عدم العذر أولى. وهذا قول سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان. والله أعلم.
المرجع
أحاديث الصيام للفوازان ص (55).
أحاديث أخرى:
(أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه)
(الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل)
(إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به…)
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)
(من فطر صائما كان له مثل أجره)
(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)
(ثلاثة لا ترد دعوتهم – ومنهم – الصائم حين يفطر)