0 / 0

حديث اتخاذ العهد عند الله

السؤال: 106427

ما مدى صحة هذا الحديث قبل أن أنشره ؟
قال ابن مسعود رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه :
( أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا ؟ قيل : يا رسول الله ! وما ذاك ؟
قال : يقول عند كل صباح ومساء : ” اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، إني أعهد إليك في هذه الحياة بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمداً عبدك ورسولك ، فلا تكلني إلى نفسي ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تباعدني من الخير ، وتقربني من الشر ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد ”
فإذا قال ذلك طبع الله عليها طابعاً ، ووضعها تحت العرش ، فإذا كان يوم القيامة نادى
مناد : أين الذين لهم عند الله عهد ؟ فيقوم فيدخل الجنة )

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الدعاء بما ورد في هذا الحديث لا بأس به ولا حرج ، اقتداء بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، فقد صح عنه أنه كان يدعو به ، وكلماته جليلة عظيمة لها شواهد من الكتاب والسنة الصحيحة .
غير أن لا يجوز اعتقاد الفضل المذكور في الحديث : أن ملكا يكتبه عنده ويختمه ويحفظه إلى يوم القيامة ، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الفضل ، بل ولا حتى الدعاء ، إنما ورد عن ابن مسعود أنه كان يدعو بكلماته ، ولم يرد عنه ذكر ذلك الفضل له ، فيجب أن يتنبه إلى الفرق بين الأمرين .
ثانيا :
أما بيان تخريج الحديث ودرجته ، فهو كالآتي :
هذا الدعاء جاء عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم :
الأول : عن ابن مسعود رضي الله عنه .
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَالَ : اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ .
إِلَّا قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : إِنَّ عَبْدِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَوْفُوهُ إِيَّاهُ . فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ )
قَالَ سُهَيْلٌ فَأَخْبَرْتُ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَوْنًا أَخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا ، قَالَ : مَا فِي أَهْلِنَا جَارِيَةٌ إِلَّا وَهِيَ تَقُولُ هَذَا فِي خِدْرِهَا .
هذا الحديث جاء من طريق مرفوعة ، وأخرى موقوفة ، وهي الأصح .
أما المرفوعة :
فمن طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود به .
رواه الإمام أحمد في “المسند” (1/412) قال ابن كثير في تفسيره (7/103) : انفرد به الإمام أحمد . قال الهيثمى في “مجمع الزوائد” (10/174) :
” رجاله رجال الصحيح ، إلا أن عون بن عبد الله لم يسمع من ابن مسعود ” انتهى .
ولذلك ضعفه أيضا محققو المسند (7/32) ، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6/9).
أما الموقوفة :
فمن طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود به .
أخرجه ابن أبي شيبة في “المصنف” (6/68) وابن أبي حاتم في “التفسير” – كما عزاه إليه ابن كثير في “التفسير” (5/265) ، والسيوطي في “الدر المنثور” (5/542) – ورواه الطبراني في “المعجم الكبير” (9/186) ، والحاكم في “المستدرك” (2/409) ، وأبو نعيم في “الحلية” (4/271)
إلا أن الحاكم لم يذكر في سنده أبا فاختة وهو سعيد بن علاقة والد ثوير بن أبي فاختة – ويبدو أنه سقط من المطبوع .
قلت : وهذا سند صحيح ، ليس في رجاله مطعن ، اللهم إلا في المسعودي ، فقد أخذ عليه العلماء أنه اختلط في آخر عمره ، ولكن نص ابن معين على أن حديثه عن عون بن عبد الله صحيح قبل الاختلاط . انظر ترجمته في “تهذيب التهذيب” (6/211)
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقال الذهبي في تلخيصه : صحيح .
وأخرجه محمد بن فضيل الضبي في “الدعاء” (رقم/51) موقوفا أيضا من طريق أخرى :
حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ومالك بن مغول ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كان يقول : فذكره وفيه ( فما قالهن عبد قط إلا كتبن في رق ، ثم ختمن بخاتم ، حتى يوافيها يوم القيامة ، أين أصحاب العهود ؟ )
قلت : ورواية القاسم بن عبد الرحمن عن جده عبد الله بن مسعود مرسلة ، كما في “تهذيب التهذيب” (8/322) ، و”جامع التحصيل” (ص/252)

الثاني : عن زيد بن ثابت رضي الله عنه :
( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ دُعَاءً وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ بِهِ أَهْلَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ : قُلْ كُلَّ يَوْمٍ حِينَ تُصْبِحُ :
( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ ، وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، مَا شِئْتَ كَانَ وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلَاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ ، وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ ، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَمَاتِ ، وَلَذَّةَ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِكَ ، وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ ، مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ، أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ ، أَوْ أَكْتَسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً أَوْ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ .
اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَأُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا ، أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنْتَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ ، فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )
رواه الإمام أحمد في “المسند” (5/191) ، والطبراني في “المعجم الكبير” (5/119) ، والبيهقي في “الأسماء والصفات” (1/421) ، وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم/47) بلفظ مختصر .
كلهم من طريق أبي بكر ابن أبي مريم ، عن ضَمْرَة بْن حَبِيبِ بْنِ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ به .
وأخرجه الحاكم في “المستدرك” (1/697) واللالكائي في “شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة” (3/489) من الطريق نفسها إلا أنه لم يذكر فيها أبا الدرداء ، بل رواه عن زيد بن ثابت مباشرة .
قلت : وهذا السند له علتان :
الأولى : اتفقت كلمة المحدثين على ضعف أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، انظر “تهذيب التهذيب” (12/29) .
الثانية : الانقطاع بين ضمرة بن حبيب – ترجمته في “تهذيب التهذيب” (4/459) وفيها أنه توفي سنة (130 هـ) – وبين أبي الدرداء توفي سنة (32هـ)
ولذلك علق الذهبي على قول الحاكم ” هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ” انتهى .
قال الذهبي في تعليقه : أبو بكر ضعيف فأين الصحة ؟
وأخرج الطبراني في “المعجم الكبير” (5/157) متابعة لأبي بكر ابن أبي مريم ، من طريق بكر بن سهل الدمياطي ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن زيد بن ثابت ولم يذكر أبا الدرداء .
إلا أن بكر بن سهل الدمياطي (287هـ) قال فيه النسائي : ضعيف . كما في “سير أعلام النبلاء” (13/426) ، وضمرة بن حبيب (130هـ) عن زيد بن ثابت (45،48هـ) منقطع أيضا .
لذلك ضعفه الألباني في “ضعيف الترغيب” (397)

الثالث : عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من قال في دبر الصلاة بعد ما يسلم هؤلاء الكلمات ، كَتَبَهُ مَلَك في رق ، فختم بخاتم ، ثم رفعها إلى يوم القيامة ، فإذا بعث الله العبد من قبره جاءه الملك ومعه الكتاب ينادي : أين أهل العهود ؟ حتى يدفع إليه . والكلمات أن تقول :.. فذكر نحو حديث ابن مسعود )
رواه الحكيم الترمذي في “نوادر الأصول في أحاديث الرسول” (2/272) من المطبوع ، وهو بسنده في المخطوط ( ورقة/207) – حيث إن المطبوع خال من الأسانيد – :
قال الترمذي الحكيم : حدثنا عمر بن أبي عمر ، قال ثنا عبدالله بن أبي أمية الفزاري ، عن أبي علي الرمَاح ، عن عمر بن ميمون ، عن مقاتل بن حيان ، عن الأسود بن هلال ، عن أبي بكر الصديق به .
وفي هذا السند عمر بن أبي عمر شيخ الحكيم الترمذي ، فقد جاء في “لسان الميزان” (1/31) نقل الحافظ عن الجوزقاني قوله فيه : مجهول ، ثم عقب بقول : ” عمر معروف ، لكنه ضعيف ” انتهى .
والواقف على حديثه يرى فيه من المناكير ما يجزم بضعفه ووهنه ، ولعله ممن يركب الأسانيد أو يسرقها . كما أن عبد الله بن أبي أمية شيخه لم نجد من يوثقه من أهل العلم .

فالخلاصة أن هذا الدعاء لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما من أراد أن يدعو بكلماته من غير اعتقاد فضل خاص لها فلا حرج عليه إن شاء الله ، لا سيما وقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، الدعاء به .
والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android