أنا فتاة في العشرين من عمري ، وأنا على وشك الانتهاء من الدراسة الجامعية ، أنا على قدر من الجمال ولله الحمد .. لم يتقدم لي أحد للزواج إلا ما ندر ، وإن تقدم شخص ليس بملتزم إما يكون غير مقصر لثوبه أو حالقاً وغيرها من المعاصي ، وأنا لا أريد إلا رجلا ملتزما مستقيما طالب علم ، وذلك لأني أريد الاستمرار في طلب العلم وإكمال الدراسة لما بعد المرحلة الجامعية (الدراسات العليا) فأريـد زوجاً يعينني على ذلك
وسؤالي : هل أصبر إلى أن يتقدم لي شخص بهذه المواصفات ؟ أم أوافق على رجل يصلي مع وجود المعاصي – غير ملتزم – .. وجهني يا شيخ .. ولك مني الدعاء ..
وأسـألكم بالله أريد منكم دعوة في جوف الليل أن يرزقني الله الزوج الصالح الذي يعينني بعد الله سبحانه على طلب العلم
تريد زوجا يعينها على طلب العلم
السؤال: 112068
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقك وجميع فتيات المسلمين الأزواجَ الصالحين الطيبين ، وأن يكتب لكِ السعادة في الدنيا والآخرة .
ثم أوصيك – أيتها الأخت السائلة – بثلاثة أمور أراها مهمة وضرورية :
الأمر الأول : ينبغي أن يكون الميزان الذي تحكمين به بالرفض أو القبول ميزانَ الخلق والدين ، وليست المظاهر التي لا ننكر استحبابها وشرعيتها ، ولكنها – إن لم يصحبها صفاء القلب وطيب الباطن – تغدو رسوما زائلةً لا تغني عند الله تعالى شيئا ، كما جاء التنبيه على ذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) البقرة/177
يقول الجنيد – كما في “إحياء علوم الدين” (2/172) – :
” لأن يصحبني فاسقٌ حَسَنُ الخلق أحبُّ إليَّ مِن أن يصحبَني قارئٌ سيئُ الخلق “
وقال رجل للحسن : قد خطب ابنتي جماعة ، فمن أزوجها ؟ قال : ممن يتقي الله ، فإن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها .
والدين وحسن الخلق يقاس بالمحافظة على فرائض الإسلام وواجباته ، والابتعاد عن المحرمات والمعاصي ، والاهتمام بالنوافل وبمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم : بصدق الحديث وأداء الأمانة والعفو والجود والنجدة والشهامة وحسن المعاملة ، وتقوى الله تعالى في السر والعلن ، ولا يقاس التدين بطول لحية ولا بنوع لباس : بطوله أو قصره ، ولا بكثرة الشيوخ أو الدروس ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة التي غرت كثيرا من الناس ، فالتفتوا إليها وحدها وغفلوا عن الجوهر والحقيقة .
الأمر الثاني : لا بأس أن تسعي في البحث عن الزوج المناسب ، أو توكلي واحدا من أوليائك لاختيار الزوج الصالح وإشعاره بالرغبة في التزوج به ، بأسلوب يرفع عنكم الحرج ويحقق المقصود ، فقد خطب عمر بن الخطاب لابنته حفصة ، وخطب سعيد بن المسيب لابنته ، وكثيرة هي قصص الزواجات التي بدأها ولي المرأة ، حرصا على سعادتها وانتقاء أفضل الأزواج لها . وفي موقعنا جواب يضع الضوابط ويقترح بعض الأفكار في هذا الطريق.
الأمر الثالث : إياك والتسويف ، والمبالغة في التأجيل ، فقد يعود ذلك عليك بالندم وفوات المطلوب ، وهي نصيحة يمكنك استعمالها في مستقبل الأيام إن لم تكوني تتخوفين من العنوسة القريبة ، فالمجتمعات تختلف في هذا الشأن ، وغالبا ما تدرك الفتاة الحد الذي تجاوزته في الرفض ، فيجب عليها المسارعة إلى استدراك أمرها وإعادة النظر في شأنها .
سئل الشيخ ابن عثيمين – كما في (اللقاء الشهري رقم/12، سؤال رقم/5) السؤال الآتي :
” إذا تقدم لي شاب لخطبتي ، وهذا الشاب محافظ على الصلاة ، مقبول في دينه ، ولكن أبحث عن شاب أكمل من هذا الشاب ديناً وعقلاً ، فهل يجوز لي رفضه ؟
فكان الجواب :
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
وربما فات قوماً جل أمرهم مع التأني وكان الرأي لو عجلوا
لا ينبغي للإنسان أن يضيع الفرصة إذا وجدها ، فإذا خطب شخص ذو خلق ودين فإنه لا يُفوَّت من أجل ارتقاب من هو أصلح منه وأحسن ؛ وذلك لأن هذا قد لا يحصل ، ولا سيما مع تقدم السن وكبر المرأة ، فإنه لا ينبغي لها أبداً أن تفرط فيمن خطبها ، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ).
فإذا كان الخاطب مرضي الدين والخلق ، فلتتزوج ، ولا تنتظر لأمر لا تدري أيحصل أم لا يحصل ” انتهى .
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (18/60) :
” ننصحها بالمبادرة بالزواج إذا تقدم لها الكفء ، بغض النظر عن طلب الكمال ” انتهى .
على أنك أيتها الأخت الكريمة ، ما زلت في مقتبل الطريق ، وأنت في هذه السن ، فلم يفتك شيء إن شاء الله ، وكثير من الناس لا يقدم على خطبة الفتاة الجامعية خشية من أن أهلها لن يقبلوا بذلك إلا إذا أنهت دراستها ، وهذه من مشكلات الدراسة الجامعية في واقع الأمر .
وظننا في الله تعالى أن ييسر لك في هذه الفترة المقبلة الزوج الصالح الذي تطلبينه ، ويكون عونا لك على طاعة الله تعالى بما يحبه من العلم النافع والعمل الصالح .
على أننا نهمس لك بكلمة مهمة ، وهي أن العلم النافع ليس من شرطه أن يكون عن طريق الدراسات العليا التي تريدينها ، بل ربما حصل المرأ ـ من غير أي شهادة ـ من العلم النافع الشيء الكثير .
فإذا يسر الله تعالى لك زوجا صالحا ، فإياك أن تجعلي تلك الدراسة عقبة في سبيل زواجك ، أو عبئا زائدا على حياتك وحياة أسرتك المقبلة ، إن شاء الله . وواجبك في بيتك ، ومع زوجك وأولادك أهم وأولى من تلك الدراسة النظامية . ثم أمامك ـ بحمد الله ـ وسائل وفرص كثيرة تعوضين بها ذلك إن فاتك ، عن طريق البرامج العلمية في الفضائيات ، والأشرطة ، والبرامج الإلكترونية .
والله يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه من العلم النافع والعمل الصالح .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب