0 / 0

تفسير قوله تعالى ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة )

السؤال: 122639

برجاء التكرم بتفسير الآية رقم 1،2،3 من سورة النور : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

االجواب:

اختلف المفسرون في دلالة قوله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 على تحريم زواج العفيف من المرأة الزانية حتى تتوب ، وتحريم زواج المرأة العفيفة من الرجل الزاني حتى يتوب ، وذلك على قولين :
القول الأول : أنها تدل على التحريم : وهو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما نجد ذلك في ” المغني ” لابن قدامة (7/108) ، وانتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بالأدلة الكثيرة ، انظر ” مجموع الفتاوى ” (15/315) ، (32/113) ، ” إغاثة اللهفان ” (1/65)، وقد سبق في موقعنا اختيار هذا القول في أجوبة الأسئلة الآتية : ( 85335 ) و (96460 ) و (104492 ) .
ونحوه قول الإمام الشافعي رحمه الله ، إلا أن الشافعي قال بأنها منسوخة ، وأجاز الزواج من الزاني أو الزانية .
يقول رحمه الله :
” اختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا ، والذي يشبهه عندنا – والله أعلم – ما قال ابن المسيب : هي منسوخة ، نسختها : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) النور/32. فهي من أيامى المسلمين . فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله ، وعليه دلائل من الكتاب والسنة “انتهى.
” الأم ” (5/158)
القول الثاني : أنها لا تدل على التحريم أصلا : وهو قول أكثر أهل العلم .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة ، أي : لا يطاوعه على مراده من الزنى إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك ، وكذلك : ( الزانية لا ينكحها إلا زان ) أي : عاص بزناه ، ( أو مشرك ) لا يعتقد تحريمه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع ، لا يزني بها إلا زان أو مشرك . وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد روي عنه من غير وجه أيضا . وقد روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، والضحاك ، ومكحول ، ومقاتل بن حيان ، وغير واحد ، نحو ذلك ” انتهى. ” تفسير القرآن العظيم ” (6/9)
وفي مناقشة هذين القولين الكثير من التدقيق والتحرير ، وقد شرح ذلك ووضحه العلامة الأمين الشنقيطي في كتابه ” أضواء البيان ” (5/417-428) ، ننقل كلامه هنا بشيء من التصرف والاختصار :
” من أنواع البيان التي تضمّنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في نفس الآية قرينة دالَّة على عدم صحة ذلك القول ، ومن أمثلة ذلك هذه الآية الكريمة .
وإيضاح ذلك : أن العلماء اختلفوا في المراد بالنكاح في هذه الآية :
فقال جماعة : المراد بالنكاح في هذه الآية : الوطء الذي هو نفس الزنى .
وقالت جماعة أخرى من أهل العلم : إن المراد بالنكاح في هذه الآية هو عقد النكاح .
قالوا : فلا يجوز لعفيف أن يتزوّج زانية كعكسه ، وهذا القول – الذي هو أن المراد بالنكاح في الآية : التزويج لا الوطء – في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحّته ، وتلك القرينة هي ذكر المشرك والمشركة في الآية ؛ لأن الزاني المسلم لا يحلّ له نكاح مشركة ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ، وقوله تعالى : ( لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )، وقوله تعالى : ( وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) وكذلك الزانية المسلمة لا يحلّ لها نكاح المشرك ؛ لقوله تعالى : ( وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ) ، فنكاح المشركة والمشرك لا يحلّ بحال . وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء ، الذي هو الزنى ، لا عقد النكاح ؛ لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة .
اعلم أن العلماء اختلفوا في جواز نكاح العفيف الزانية ، ونكاح العفيفة الزاني ، فذهب جماعة من أهل العلم منهم الأئمّة الثلاثة إلى جواز نكاح الزانية مع الكراهة التنزيهية عند مالك وأصحابه ومن وافقهم ، واحتجّ أهل هذا القول بأدلّة :
منها عموم قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ) ، وهو شامل بعمومه الزانية والعفيفة ، وعموم قوله تعالى : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ )، وهو شامل بعمومه الزانية أيضًا والعفيفة . ومن أدلّتهم على ذلك : حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما : أن رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي لا تردّ يد لامس ، قال : ( غرّبها ) ، قال : أخاف أن تتبعها نفسي ؟ قال : ( فاستمتع بها ) . قال ابن حجر في ” بلوغ المرام ” في هذا الحديث ، بعد أن ساقه باللفظ الذي ذكرنا : رواه أبو داود ، والترمذي ، والبزار ورجاله ثقات ، وأخرجه النسائي من وجه آخر ، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ، بلفظ قال : ( طلّقها ) ، قال : لا أصبر عنها ، قال : ( فأمسكها ) اهـ من ” بلوغ المرام ” .
ثم اعلم أن الذين قالوا بجواز تزويج الزانية والزاني أجابوا عن الاستدلال بالآية التي نحن بصددها ، وهي قوله تعالى : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )، من وجهين :
الأول : أن المراد بالنكاح في الآية هو الوطء الذي هو الزنى بعينه ، قالوا : والمراد بالآية تقبيح الزنى وشدّة التنفير منه ؛ لأن الزاني لا يطاوعه في زناه من النساء إلا التي هي في غاية الخسّة لكونها مشركة لا ترى حرمة الزنى أو زانية فاجرة خبيثة . وعلى هذا القول فالإشارة في قوله تعالى : ( وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) راجعة إلى الوطء الذي هو الزنى ، أعاذنا اللَّه وإخواننا المسلمين منه ، كعكسه ، وعلى هذا القول فلا إشكال في ذكر المشركة والمشرك .
الوجه الثاني : هو قولهم : إن المراد بالنكاح في الآية التزويج ، إلا أن هذه الآية التي هي قوله تعالى : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ) الآية منسوخة بقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ) وممن ذهب إلى نسخها بها : سعيد بن المسيّب ، والشافعي .
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية : وقد روي عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في هذه الآية : الوطء .
وابن عباس رضي اللَّه عنهما من أعلم الصحابة بتفسير القرءان العظيم ، ولا شكّ في علمه باللغة العربية ، فقوله في هذه الآية الكريمة بأن النكاح فيها هو الجماع لا العقد يدلّ على أن ذلك جار على الأسلوب العربي الفصيح ، فدعوى أن هذا التفسير لا يصحّ في العربية ، وأنه قبيح ، يردّه قول البحر ابن عباس .
وقالت جماعة أخرى من أهل العلم : لا يجوز تزويج الزاني لعفيفة ولا عكسه ، وهو مذهب الإمام أحمد ، وقد روي عن الحسن وقتادة ، واستدلّ أهل هذا القول بآيات وأحاديث :
فمن الآيات التي استدلّوا بها هذه الآية التي نحن بصددها ، وهي قوله تعالى : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )، قالوا : المراد بالنكاح في هذه الآية : التزويج ، وقد نصّ اللَّه على تحريمه في قوله : ( وَحُرّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قالوا : والإشارة بقوله : ( ذلِكَ ) ، راجعة إلى تزويج الزاني بغير الزانية أو المشركة ، وهو نصّ قرءاني في تحريم نكاح الزاني العفيفة ، كعكسه .
ومن الآيات التي استدلّوا بها قوله تعالى : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ )، قالوا : فقوله : ( مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ )، أي : أعِفَّاء غير زناة . ويفهم من مفهوم مخالفة الآية أنه لا يجوز نكاح المسافح الذي هو الزاني لمحصنة مؤمنة ، ولا محصنة عفيفة من أهل الكتاب ، وقوله تعالى : ( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )، فقوله : ( مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ )، أي : عفائف غير زانيات ، ويفهم من مفهوم مخالفة الآية ، أنهن لو كنّ مسافحات غير محصنات ، لما جاز تزوّجهن .
ومن أدلّة أهل هذا القول أن جميع الأحاديث الواردة في سبب نزول آية ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) كلّها في عقد النكاح وليس واحد منها في الوطء ، والمقرّر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول . وأنه قد جاء في السنّة ما يؤيّد صحّة ما قالوا في الآية ، من أن النكاح فيها التزويج ، وأن الزاني لا يتزوّج إلا زانية مثله ، فقد روى أبو هريرة عن رسول اللَّه ( صلى الله عليه وسلم ) أنّه قال : ( الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله ) ، وقال ابن حجر في بلوغ المرام في حديث أبي هريرة هذا : رواه أحمد ، وأبو داود ورجاله ثقات .
وأمّا الأحاديث الواردة في سبب نزول الآية :
فمنها ما رواه عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أُمّ مهزول ، كانت تسافح ، وتشترط له أن تنفق عليه ، قال : فاستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها ، فقرأ عليه نبيّ اللَّه : ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ). رواه أحمد .
ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده : أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكّة ، وكانت بمكّة بغي يقال لها عناق ، وكانت صديقته ، قال : فجئت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول اللَّها أنكح عناقًا ؟ قال : فسكت عني ، فنزلت : ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )، فدعاني فقرأها عليّ ، وقال : ( لا تنكحها ) . رواه أبو داود ، والنسائي والترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه .
قالوا : فهذه الأحاديث وأمثالها تدلّ على أن النكاح في قوله : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )، أنه التزويج لا الوطء ، وصورة النزول قطعية الدخول ؛ كما تقرّر في الأصول .
وقال ابن القيّم في ( زاد المعاد ) ، ما نصّه : وأمّا نكاح الزانية فقد صرّح اللَّه سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة ( النور ) ، وأخبر أن من نكحها فهو إما زانٍ أو مشرك ، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ، ويعتقد وجوبه عليه أو لا ، فإن لم يلتزمه ، ولم يعتقده فهو مشرك ، وإن التزمه واعتقد وجوبه ، وخالفه فهو زان ، ثم صرح بتحريمه ، فقال : ( وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )، ولا يخفى أن دعوى النسخ للآية بقوله : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ ) من أضعف ما يقال ، وأضعف منه حمل النكاح على الزنى . إذ يصير معنى الآية : الزاني لا يزنى إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك ، وكلام اللَّه ينبغي أن يصان عن مثل هذا ، وكذلك حمل الآية على امرأة بغي مشركة في غاية البعد عن لفظها وسياقها ، كيف وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان ، وهو العفة ، فقال : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها ، وليس هذا من دلالة المفهوم ، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم ، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع ، وما عداه فعلى أصل التحريم ، انتهى محل الغرض من كلام ابن القيّم .
وهذه الأدلّة التي ذكرنا هي حجج القائلين بمنع تزويج الزاني العفيفة كعكسه ، وإذا عرفت أقوال أهل العلم ، وأدلّتهم في مسألة نكاح الزانية والزاني ، فهذه مناقشة أدلّتهم :
أمّا قول ابن القيم : إن حمل الزنا في الآية على الوطء ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه ، فيردّه أن ابن عباس وهو في المعرفة باللغة العربية وبمعاني القرءان صحّ عنه حمل الزنى في الآية على الوطء ، ولو كان ذلك ينبغي أن يصان عن مثله كتاب اللَّه لصانه عنه ابن عباس ، ولم يقل به ولم يخف عليه أنه ينبغي أن يصان عن مثله .
وقال ابن العربي في تفسير ابن عباس للزنى في الآية بالوطء : هو معنى صحيح . انتهى منه بواسطة نقل القرطبي عنه .
وأمّا قول سعيد بن المسيّب والشافعي ، بأن آية : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )، منسوخة بقوله : ( وَأَنْكِحُواْ الايَامَى مِنْكُمْ ) فهو مستبعد ؛ لأن المقرّر في أصول الشافعي ومالك وأحمد هو أنه لا يصحّ نسخ الخاص بالعام ، وأن الخاص يقضى على العام مطلقًا ، سواء تقدم نزوله عنه أو تأخّر ، ومعلوم أن آية ( وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ ) أعمّ مطلقًا من آية : ( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ) فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرّر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين ، وإنما يجوز ذلك على المقرّر في أصول أبي حنيفة رحمه اللَّه ، كما قدمنا إيضاحه في سورة ( الأنعام ) ، وقد يجاب عن قول سعيد ، والشافعي بالنسخ بأنهما فهماه من قرينة في الآية ، وهي أنه لم يقيد الأيامى الأحرار بالصلاح ، وإنما قيّد بالصلاح في أيامى العبيد والإماء ، ولذا قال بعد الآية : ( وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ )
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له :
هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقًا ؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج ، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك ، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلّقة بالآية ، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية : التزويج .
ولا أعلم مخرجًا واضحًا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسّف ، وهو أن أصحّ الأقوال عند الأصوليين – كما حرّره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان ، وعزاه لأجلاّء علماء المذاهب الأربعة – هو جواز حمل المشترك على معنييه ، أو معانيه ، فيجوز أن تقول : عدا اللصوص البارحة على عين زيد ، وتعني بذلك أنهم عوّروا عينه الباصرة وغوّروا عينه الجارية ، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضّته .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج ، خلافًا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما ، مجاز في الآخر ، كما أشرنا له سابقًا ، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه ، فيحمل النكاح في الآية على الوطء ، وعلى التزويج معًا ، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد ، وهذا هو نوع التعسّف الذي أشرنا له ، والعلم عند اللَّه تعالى .
وأكثر أهل العلم على إباحة تزويج الزانية والمانعون لذلك أقلّ ، وقد عرفت أدلّة الجميع .
واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية ، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثًا ؛ لأنه إنما يتزوّجها ليحفظها ، ويحرسها ، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعًا باتًّا بأن يراقبها دائمًا ، وإذا خرج ترك الأبواب مقفلة دونها ، وأوصى بها من يحرسها بعده فهو يستمتع بها ، مع شدّة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة ، وإن جرى منها شىء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شىء عليه فيه ، ولا يكون به ديوثًا ، كما هو معلوم .
والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوّج إلا عفيفة صينة ، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيّده حديث : ( فاظفر بذات الدين تربت بداك ) ، والعلم عند اللَّه تعالى ” انتهى كلام الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى .
والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android