عقيدة التجسيم والتمثيل ، وأبرز فِرقها ، وحكم الإسلام عليها
السؤال: 122675
أود أن أعرف ما هي الفِرق المجسِّمة ، والفِرق المشبِّهة ؟ وما الفرق بينهما إن كان فرق ؟ وما هو قول أهل السنة والجماعة بهذا الموضوع ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
الشائع في الكتب المصنفة في العقائد والفرق استعمال هذه المصطلحات : التجسيم ،
والتشبيه ، والتمثيل ، من غير تفرقة بينها ، وإنما تتوارد في الاستعمال لتدل على
نفس المعنى .
لكن
ثمة فرق في الحقيقة بين تلك الألفاظ ، فالتجسيم : إثبات الجسم لله تعالى ، والتشبيه
أوسع معنى حيث يشبِّه أهلُ الكفر والضلال الربَّ تعالى بخَلْقه ، ولفظ التمثيل هو
الأوسع في معناه ، وهو الأولى في الاستعمال من التشبيه ؛ لأسباب ثلاثة .
سئل
الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
أيهما أولى : التعبير بالتمثيل ، أم التعبير بالتشبيه ؟ .
فأجاب :
التعبير بالتمثيل خير من التعبير بالتشبيه لوجوه ثلاثة
:
الوجه الأول : أن نفي التمثيل هو الذي ورد في القرآن الكريم ، ولم يرد في القرآن
نفي التشبيه ، واللفظ الذي هو التعبير القرآني خير من اللفظ الذي هو التعبير
الإنساني قال الله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
)
.
الوجه الثاني : أن التشبيه لا يصح نفيه على الإطلاق ؛ لأنه ما من شيئين إلا وبينهما
قدر مشترك اتفقا فيه وإن اختلفا في الحقيقة ، فلله وجود وللإنسان وجود ، ولله حياة
وللإنسان حياة ، وهذا الاشتراك في أصل المعنى – الحياة – نوع من التشابه ، لكن
الحقيقة : أن صفات الخالق ليست كصفات المخلوق ، فحياة الخالق ليست كحياة المخلوق ،
فحياة المخلوق ناقصة مسبوقة بعدم وملحوقة بفناء ، وهي أيضا ناقصة في حد ذاتها ، يوم
يكون طيِّباً ، ويوم يكون مريضاً ، ويوم يكون متكدراً ، ويوم يكون مسروراً ، وهي
أيضا حياة ناقصة في جميع الصفات ، البصر ناقص ، السمع ناقص ، العلم ناقص ، القوة
ناقصة ، بخلاف حياة الخالق جل وعلا فإنها كاملة من كل وجه
.
الوجه الثالث : أن بعض أهل التعطيل يسمون المثبتين للصفات ” مشبِّهة ” فإذا قلت : ”
من غير تشبيه ” فهِم هؤلاء أن المراد من غير إثبات صفة ، ولذلك نقول : إن التعبير
بقولنا : ” من غير تمثيل ” أولى من التعبير بالتشبيه
.
”
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 1 / 179 ، 180
،
السؤال رقم 90 ) .
ثانياً:
ولم
يختلف أهل السنَّة في تكفير الممثلة ، أو المشبهة ، أو المجسمة .
ولمَّا نقل محمد بن طاهر الإسفراييني مقالة هشام بن الحكم ، وهشام الجواليقي ،
وأتباعهما في التجسيم : قال :
والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الإسلام حظ .
”
التبصير في الدين ” ( ص 40 ) .
وقال نعيم بن حماد – رحمه الله – وهو أحد شيوخ الإمام البخاري – :
مَن
شبَّه الله تعالى بخلقه : كَفَر ، ومن جحد ما وصف الله نفسه : فقد كفر .
انظر ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة ” لللالكائي ( 3 / 532 ) .
ثالثاً:
أشهر من قال بالتمثيل – التجسيم ، والتشبيه – لله رب العالمين هم اليهود ، وقدماء
الرافضة ، واشتهرت نسبة التجسيم ـ بخصوصه ـ إلى الكرامية ، وهي من الفرق المبتدعة ،
التي لم يصلنا من كتبها شيء .
وقد
ألصقت فرق وقد ألصق أهل البدع المعطلين للصفات ، والنافين عن الله عز وجل ما أثبته
لنفسه : ألصقوا بأهل السنة فرية التشبيه التمثيل والتجسيم ، وليس هذا عليهم بغريب ،
حيث عطَّلوا صفات الله تعالى ، ولذا نسبوا من أثبت تلك الصفات لله تعالى نسبوه إلى
التجسيم ، وهذا محض افتراء ، وكذب .
قال
الإمام أبو زرعة الرازي ، رحمه الله ( ت: 264هـ) :
”
المعطلة النافية : الذي ينكرون صفات الله عز وجل ، التي وصف بها نفسه في كتابه ،
وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويكذبون بالأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الصفات ، ويتأولونها بآرائهم المنكوسة ، على موافقة ما اعتقدوا
من الضلالة ، وينسبون رواتها إلى التشبيه ؛ فمن نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى بما
وصف به نفسه في كتابه ، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، من غير تمثيل ولا
تشبيه ، إلى التشبيه : فهو معطل نافٍ ، ويُستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه :
أنهم معطلة نافية . كذلك كان أهل العلم يقولون ، منهم عبد الله بن المبارك ، ووكيع
بن الجراح ” .
نقله أبو القاسم الأصبهاني في كتابه : الحجة في بيان المحجة (1/187) .
والعجيب أن الأشاعرة وغيرهم من الفرق المبتدعة يثبتون بعض الصفات لله تعالى ، وهم ”
مجسمة ” و ” ومشبهة ” عند المعتزلة ! فانظر إليهم كيف أنهم نُسبوا إلى ما اتهموا به
أهل السنَّة افتراء عليهم ، فإذا كان إثبات الصفات لله تعالى تجسيماً : فهم مع أهل
السنَّة في هذا ، وإذا كان لا يلزم من إثبات الصفات التجسيم : فيكون اتهامهم بهذه
الفرية من الضلال المبين ، فها هم يثبتون صفاتٍ لله تعالى ولا يعدون أنفسهم مجسِّمة
، فكذا ينبغي أن يكون أهل السنَّة عندهم .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
كلُّ مَن نَفَى شيئاً من الأسماء والصفات سمَّى مَن أثبت ذلك ” مجسِّماً ” قائلاً
بالتحيز ، والجهة ، فالمعتزلة ، ونحوهم يسمُّون الصفاتية – الذين يقولون : إن الله
تعالى حي بحياة ، عليم بعلم ، قدير بقدرة ، سميع بسمع ، بصير ببصر ، متكلم بكلام –
يسمُّونهم : ” مجسِّمة ” ، ” مشبِّهة ” ، ” حشوية ” ، والصفاتية هم : السلف ،
والأئمة ، وجميع الطوائف المثبتة للصفات : كالكلابية ، والكرامية ، والأشعرية ،
والسالمية ، وغيرهم من طوائف الأمة .
”
مجموع الفتاوى ” ( 6 / 40 ) .
ونحن نذكر هنا أبرز تلك الفرق القائلة بهذا بالتجسيم والتمثيل :
الفرقة الأولى : ” السبئية ” أتباع اليهودي الذي أظهر الإسلام عبد الله بن سبأ ،
فقد ألَّهت هذه الفرقة عليَّ بن أبي طالب ، وشبهوه بذات الله ، وقد ازدادوا
اعتقاداً بهذا الإفك عندما حرَّقهم بالنار .
الفرقة الثانية : ” الهشامية ” أصحاب هشام بن الحكم الرافضي ، يزعمون أن معبودهم
جسم ، وله نهاية ، وحد طويل عريض عميق ، طوله مثل عرضه … .
والفرقة الثالثة : ” الهشامية ” أصحاب هشام بن سالم الجواليقي ، يزعمون أن ربهم على
صورة الإنسان ، وينكرون أن يكون لحماً ، ودماً ، ويقولون : إنه نور ساطع يتلألأ
بياضاً .
الفرقة الرابعة :
” اليونسية ” أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمِّي .
الفرقة الخامسة : ” البيانية ” أتباع بيان بن سمعان ، وكان يقول : إن معبوده : نور
، صورته صورة إنسان ، وله أعضاء كأعضاء الإنسان ، وأن جميع أعضائه تفنى إلا الوجه .
الفرقة السادسة : ” المغيرية ” أتباع مغيرة بن سعيد العجلي ، وكان يقول : إن
للمعبود أعضاء ، وأعضاؤه على صورة حروف الهجاء .
الفرقة السابعة : ” المنصورية ” أتباع أبي منصور العجلي ، وكان يقول : إنه صعد إلى
السماء إلى معبوده ، وإن معبوده مسح على رأسه وقال : يا بني بلغ عني .
الفرقة الثامنة : ” الخطابية ” أتباع أبي الخطاب الأسدي ، كانوا يقولون : إن أبا
الخطاب الأسدي إله .
انظر ” التبصير في الدين ” للإسفراييني ( ص 119
–
121 ) ، و ” الفرق بين الفِرق ” ( ص 214 – 219 ) .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟