تقدير المسافات في الأحاديث النبوية
السؤال: 125599
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)
وفى حديث آخر فيما معناه : ( وإن ريحها ليشم من مسيرة مئة عام )
والسؤال هو : لماذا عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن المسافة بوحدة زمنية وهي العام ، أما كان أحرى أن يقول : مائة كيلو ، أو أي وحدة من وحدات المسافة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
الواجب على المؤمن أن يكون معظماً للرسول صلى الله عليه وسلم متأدباً معه ، ولا
يجوز له أن يجترئ على مقام النبوة فيزعم أن الأفضل أن الرسول صلى الله عليه وسلم
كان يقول كذا ولا يقول كذا ، فمقام النبوة أعظم من هذا ، فما قاله النبي صلى الله
عليه وسلم هو الأفضل وهو الأحكم والأحسن .
ولا
مانع من أن يسأل المؤمن عن حكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا ، ولكن يختار
لذلك من الألفاظ ما لا يخدش جناب النبوة ومقامها العظيم .
ثانياً :
بعث
النبي صلى الله عليه وسلم في العرب وكانوا أمة أمية (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي
الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) الجمعة/2 ، وكانت أشهر مقاييسهم في تحديد
المسافات هي تحديد ذلك بالمسافة التي تقطع في الوقت معين .
فذلك الضبط بالنسبة لهم كان أظهر وأوضح في بيان المقصود من أي تقدير آخر ، لأنهم
كانوا يكثرون السفر والتنقل ، ويعرفون كم تقطع الإبل بهم في مسيرة اليوم والليلة
الواحدة ، فكثر ذلك في خطابهم .
فكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمل المقاييس المشهورة المعروفة عندهم
، حتى يحصل المقصود من الكلام ، ويفهم معناه ، ولو تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم
بالمقاييس غير المشهورة عندهم لكان هذا خلاف البيان والبلاغة ، حيث يخاطب الناس بما
لا يعرفون ، أو بما لا يعرفه أكثرهم ، من غير فائدة لذلك .
وليس في تحديد المسافة بذلك أي غضاضة ، بل هو أمر اصطلاحي يختلف باختلاف الزمان
والمكان ، ولا يزال هذا التقدير مستعملاً إلى اليوم .
فنحن نسمع اليوم في المقاييس الحديثة ما يسمى بـ “السنة الضوئية” : وهي المسافة
التي يقطعها الضوء في سنة واحدة ، يعني مسيرة سنة بالنسبة للضوء . فهذا يوافق
التقدير المنقول في بعض الأحاديث ، والتقدير المشهور عند العرب في الجاهلية قبل
الإسلام ، وفي صدر الإسلام .
قال
الدكتور جواد علي :
“استخدم الجاهليون مصطلحات خاصة في تقدير المسافات والأبعاد ، ولا سيما في الأسفار
. فاستعملوا مصطلح : مسيرة ساعة ، ومسيرة ليلة ، ومسيرة نهار ، ومسيرة قافلة ،
وأمثال ذلك ، وقصدوا بذلك معدَّل ما يقطعه الإنسان والقافلة في المدد المذكورة”
انتهى .
“المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” (14/313) .
وقد
جاء في السنة النبوية استعمال مصطلح “الميل” :
فعن
المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(تُدْنَى
الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ
مِيلٍ) رواه مسلم (2864) .
كما
استعمل العرب وحدة : ” الإصبع “، و ” الشبر “، و” الباع “، و ” البريد “، و ”
الفرسخ “، وغير ذلك من الوحدات المشتهرة في كتب الفقهاء ، ويمكن الرجوع إلى بعض
الدراسات المعاصرة التي تبين مقادير هذه الوحدات بالمقاييس المعاصرة . منها بحث
الشيخ عبد الله بن منيع المقدم للندوة التاسعة لقضايا الزكاة المعاصرة .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟