تفسير قوله تعالى في وصف الشمس والقمر أنهما دائبان وأنهما في فلك يسبحون
السؤال: 128067
ورد في القرآن قول الله تعالى : ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار )، وقوله تعالى في سورة ” يس ” : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون )
فما المقصود بـ ” فلك ” و ” دائبين ” ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
هاتان الآيتان من الآيات التي تتحدث عن المظاهر الكونية الباهرة التي تدل على سعة
خلق الله تعالى وعظمته ، الآية الأولى رقم/33 في سورة الرعد يقول الله تعالى فيها :
( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ )
وقد
ذكر المفسرون لوصف دؤوب الشمس والقمر معاني عدة :
أشهرها دوام المسير في هذا الكون الفسيح من غير توقف .
ومنها : دوام طاعة الله تعالى والافتقار إلى تدبيره عز وجل .
ومنها : دوام نفعهما واستمرار فوائدهما على هذا الكون .
يقول الحافظ ابن جرير الطبري رحمه الله :
”
يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار ، لصلاح أنفسكم ومعاشكم ( دَائِبَيْنِ )
في اختلافهما عليكم . وقيل : معناه : أنهما دائبان في طاعة الله … عن ابن عباس ،
في قوله : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ) قال : دءوبهما
في طاعة الله ” انتهى.
”
جامع البيان ” (16/13-14)
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
”
أي : يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا ” انتهى.
”
تفسير القرآن العظيم ” (4/511)
ويقول الرازي رحمه الله :
”
وقوله : ( دَائِبَينَ ) معنى الدؤوب في اللغة : مرور الشيء في العمل على عادة مطردة
، يقال دأب يدأب دأباً ودؤوباً ، قال المفسرون : قوله ( دَائِبَينَ ) معناه :
يدأبان في سيرهما وإنارتهما وتأثيرهما في إزالة الظلمة وفي إصلاح النبات والحيوان ،
فإن الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، ولولا الشمس لما حصلت الفصول
الأربعة ، ولولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية ” انتهى.
”
مفاتيح الغيب ” (19/101)
ثانيا :
وأما الآية الثانية التي يصف الرب فيها عز وجل الشمس والقمر بالسباحة في الفلك فقد
جاء ذلك في موضعين من القرآن الكريم :
الأول : قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) الأنبياء/33
والثاني : قوله عز وجل : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ
وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يس/40
وحاصل تفسير العلماء لهذه الآية هو أنها تصف النجوم والشمس والقمر والأفلاك
بالدوران والحركة والسير في الفضاء الفسيح دورانا محكما موزونا .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” (
وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) أي : يدورون
.
قال ابن عباس : يدورون كما يدور المغزل في الفلكة . وكذا قال مجاهد : فلا يدور
المغزل إلا بالفلكة ، ولا الفلكة إلا بالمغزل ، كذلك النجوم والشمس والقمر لا
يدورون إلا به ، ولا يدور إلا بهن ، كما قال تعالى : ( فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ
اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ ) الأنعام/96. ” انتهى.
”
تفسير القرآن العظيم ” (5/341)
ويقول العلامة القرطبي رحمه الله :
” (
كلٌّ ) يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار ( في فلك يسبحون ) أي
: يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء ” انتهى.
”
الجامع لأحكام القرآن ” (11/286)
أما
تقييد الآيات جريان وسباحة أجرام السماء بكونها ( في فلك )، فقد اختلف العلماء في
تفسير شكله وهيئته وحقيقته على أقوال كثيرة ، لكنها تتفق في النهاية على المعنى
المقصود ، وهو أن كل أجرام السماء من نجوم وشمس وقمر تجري وتسبح في فلك خاص ، أي :
مدار خاص ، ونطاق معين ، لا تصطدم بغيرها ، ولا تختل مسيرتها .
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله :
”
والفلك : فسره أهل اللغة بأنه مدار النجوم ، وكذلك فسره المفسرون لهذه الآية ، ولم
يذكروا أنه مستعمل في هذا المعنى في كلام العرب .
ويغلب على ظني أنه من مصطلحات القرآن ، ومنه أخذه علماء الإسلام ، وهو أحسن ما يعبر
عنه عن الدوائر المفروضة التي يضبط بها سير كوكب من الكواكب ، وخاصة سير الشمس ،
وسير القمر .
والأظهر أن القرآن نقله من فلك البحر ، وهو الموج المستدير ، بتنزيل اسم الجمع
منزلة المفرد ، والأصل الأصيل في ذلك كله ” فَلْكة المِغْزَل ” بفتح الفاء وسكون
اللام ، وهي خشبة مستديرة في أعلاها مسمار مثني ، يدخل فيه الغزل ، ويدار لينفتل
الغزل ” انتهى.
”
التحرير والتنوير ” (17/45)
والله أعلم .
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟